لم يعد الهدف الأوحد للاجتهاد في العمل في الإمارات هو الحصول على تقدير جيد في تقرير الكفاءة السنوي أو الحصول على زيادة في الراتب أو الـ«Bonus» الذي درجت معظم المؤسسات الحكومية والخاصة على صرفه أخيراً، بل تعدّى الأمر هذه الحدود، وأصبح الاجتهاد والابتكار شرطين أساسيين للاحتفاظ بالوظيفة: إنّها تداعيات الأزمة الاقتصادية على سوق العمل
دبي ــ جمال محمد
تداعيات الأزمة المالية العالمية ألقت بظلالها بشدة على الإمارات، وظهر للعيان حجم الضغوط التي يواجهها اقتصاد دبي المعروفة بالازدهار الاقتصادي في الخليج، وتحديداً في قطاعها العقاري. ورغم محاولات «تلطيف الأجواء»، يجزم المراقبون بأن الوضع ليس كما كان، وأصبح الموظفون متخوفين من فقدان وظائفهم في أية لحظة، وتحديداً في قطاعي العقارات والمصارف، وخصوصاً مع سريان ظاهرة «الاستغناء عن كل من ليس له مهمات عمل واضحة».
هذه العبارة أبرقتها شركات كثيرة إلى فروعها المترامية في إمارات الدولة، واستغنت فعلاً عن أعداد كبيرة من الموظفين. وأبرز تلك الشركات «إعمار» العقارية و«دبي العقارات» و«داماك» و«نخيل». فيما لجأت شركات أخرى إلى تخيير موظفيها بين تقديم الاستقالة أو إبرام عقد جديد معهم براتب أقل.
الشركات، لحسن علاقتها بالصحف المحلية، تمكنت من إبقاء الأمر طيّ الكتمان، باستثناء شركة «نخيل» (صاحبة مشاريع الجزر) التي أعلنت في بيان صحافي أنها استغنت عن 15 في المئة من إجمالي موظفيها (500 موظف) لمواجهة تداعيات الأزمة.
حركة الاستغناء هذه لم تجد تبريراً لها عند الموظفين، وخصوصاً أنّها تزامنت مع افتتاح الشركة منتجع «Atlantis» على جزيرة النخلة الذي بلغت كلفة حفل افتتاحه أكثر من 20 مليون دولار. وقال المراقبون حينها إنّ الهدف من هذا الحفل المبهر تبديد الشائعات التي تحوم حول وضعها المالي وكبر حجم مديونيّتها.
«داماك» استغنت عن 200 موظف من مندوبي المبيعات، وأعلنت عن ذلك، إلا أنّ «إعمار» (صاحبة أعلى برج في العالم) لم تعلن أي حالات «تفنيش» (مأخوذة عن كلمة Finish بالإنكليزية أو إنهاء) إلا أنّها استغنت عن موظفين فعلاً.
العدوى نفسها أصابت القطاع المصرفي بشكل لافت، واستغنى عدد كبير من البنوك عن موظفين كان أبرزهم «بنك دبي التجاري» الذي استغنى عن حوالى 70 موظفاً، و«بنك نور الإسلامي» و«بنك الخليج الأول» و«بنك الإمارات دبي الوطني»، إلا أنّ أياً منها لم يجرؤ على إعلان ذلك خوفاً على سمعته وخوفاً من تداعيات ذلك وإقبال الأفراد على سحب أموالهم.
وإلى جانب هذه الشركات، تؤكد مصادر اقتصادية أن طيران الإمارات أقدمت على خطوة جديدة من نوعها، إذ لم تستغن عن موظفين بل تدرس منح 1500 موظف فيها إجازة مفتوحة من دون راتب.
التخوّف الذي بدأ ينتاب الناس من فقدان وظائفهم، دفع بعض المقيمين إلى إرجاع أسرهم إلى بلاده والعيش وحيداً في محاولة لزيادة حجم التوفير تحسباً لأية ظروف طارئة، وخصوصاً مع سريان شائعة قوية تفيد بأن الاستغناء عن الموظفين سيظهر أكثر مع عطلة نهاية الفصل الدراسي في أواسط أيار المقبل.
هذا الأمر إذا حدث فعلاً فإنه سيزيد من خلل التركيبة السكانيّة الذي تعاني منه الإمارات، وسيزيد إلى حد كبير نسبة الذكور في الدولة، بعدما وصلت أخيراً إلى 75 في المئة وفقاً لدراسة أعدها مركز الإحصاء في بلدية دبي.
وإلى جانب حركات «التفنيش»، برزت أخيراً ظاهرة خفض الرواتب، وأقدمت بعض الشركات على ذلك من خلال تخيير الموظف بين الاستغناء عنه أو التوقيع على عقد جديد أقل بـ20 في المئة.
5 موظفين من شركة عقارية فضلوا عدم ذكر أسمائهم، قالوا إن شركتهم خفضت رواتبهم من 12 ألف درهم (3.2 آلاف دولار) إلى 10 آلاف درهم (2.7 ألف دولار) ووافقوا على ذلك لأن الخيار الآخر هو الاستغناء عنهم. وقالوا: «وافقنا لأنه لا فرص أخرى، لا عمل في البلد، ومن لديه وظيفة متشبث بها بيديه ورجليه، وإذا استغنوا عنّا فإن القضاء لن ينصفنا عن بدل الفصل التعسفي لأنه سيتم بذريعة إعادة تقويم الأداء».
موظف استُغني عن خدماته من شركة عقارية، يقول إن ما يمزقه ألماً أنه استقال من عمله في الأردن قبل 4 سنوات، بعدما جرى التعاقد معه للعمل في شركة مقاولات في دبي، وبعدما بدأت عائلته تتأقلم مع الأجواء في دبي، ستضطر الآن إلى أن تعود إلى الأردن.
في المقابل، يؤكّد مصدر حكومي مسؤول أنّ الوضع في الإمارات ليس بهذا السوء، ولكن إقدام شركات على الاستغناء عن موظفين سببه الأساسي مبالغة هذه الشركات في التعيينات أصلاً. ويصف ما يجري حالياً بأنه «حركة تصحيحية»، وخصوصاً أنّ استمرار الازدهار كان ينذر بتداعيات خطيرة على الاقتصاد، بعدما نتجت منه مغالاة كبيرة في الأسعار والإيجارات إلى درجة قد تضع الإمارات على قائمة أغلى دول العالم.
واستشهد المصدر بتصريحات لرئيس المجلس الوطني الاتحادي، صاحب «بنك المشرق»، عبد العزيز الغرير، «من غير المعقول أن تكون الإيجارات في دبي أغلى من نيويورك».


التشارك في المسكن

يقول موظف في شركة عقارية لـ«الأخبار»، «خُفّض راتبي ألفي درهم وقبلت، لأنه ليس لدي خيار آخر، والمشكلة أنهم يخفضون رواتبنا ويلغون امتيازاتنا، ولا نستطيع الكلام لأننا سنفقد عملنا إذا ما اشتكينا أو عبّرنا عن استيائنا». وأكثر من ذلك كشف موظف آخر أنّه بسبب عدم قدرته على تسديد إيجار بيته البالغ 70 ألف درهم، ورفض زوجته العودة إلى بلادهم مع ولديه، اضطر للسكن مع أسرة أخرى، حيث تشارك مع موظف آخر متزوج في بيت مكوّن من غرفتي نوم وصالون، حصل كل منهما على غرفة، وقُسّم الصالون إلى قسمين.