أخطأ من ظنّ أنّ تصريحات رئيس الحكومة التركية، رجب طيب أردوغان، التي أدلى بها في أول أيام العدوان الإسرائيلي على غزّة، بلغت الذروة من حيث تحميل الدولة العبرية مسؤولية «الإبادة» و«جريمة الحرب» ضدّ الفلسطينيين في قطاع غزة.فأمام الانتقادات الإسرائيلية والتركية الداخلية التي وُجّهت إلى «لهجته غير الدبلوماسية»، اتّخذ أردوغان منحىً تصعيدياً ضدّ المجازر الإسرائيلية وقيادتها السياسية، فاختار برلمان بلاده قبل يومين، ليلقي أمامه خطاباً أكثر من ناري، جزم خلاله بأنّ مواقفه من «جريمة الحرب»، هي الموقف الرسمي لبلاده، وليست «ردّ فعله العاطفيّ»، كما ذهبت إلى تفسيره القيادة الإسرائيلية وعدد من المعارضين الأتراك.
وحمّل أردوغان الحصار الإسرائيلي على قطاع غزّة مسؤولية انفجار الحرب في 27 كانون الأول الماضي. حتّى إنه دافع عن «حماس» على اعتبار أنها «التزمت بوقف إطلاق النار بموجب اتفاقية التهدئة»، مذكّراً بأنّ إسرائيل هي التي خرقتها من خلال عدم رفع الحصار. وأكد أن أنقرة لا تستطيع اعتماد سياسة «شاهد وانتظر» حيال المجازر الإسرائيلية، متذمّراً من أنّ مساعدات بلاده للشعب الفلسطيني تنتظر «أياماً ولا تصل إلى أهل القطاع إلا بعد أن نجري اتصالات ووساطات».
وبلغت حدّة مواقف أردوغان ضدّ الدولة العبرية وجرائمها حدّ أنه خاطب (رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود) «أولمرت» و(وزيرة خارجيته تسيبي) «ليفني» بالقول: «افهما ما أقول لكما: التاريخ سوف يحاكمكما. إن ما فعلتماه (في غزة) هو لطخة سوداء في تاريخ البشرية»، متهماً حكام إسرائيل بشنّ الحرب لأهداف انتخابية في استحقاق شباط المقبل.
وفي إشارة لافتة، وصف أردوغان اليهود بأنهم «أحفاد الإمبراطورية العثمانية التي استضافتهم عندما لجأوا إليها قادمين من إسبانيا بعد الفتح العربي». وأصرّ على التذكير بأنه يخاطب اليهود بصفته رئيس حكومة تلك الدولة التي استضافتهم في حينها، مذكّراً إياهم بأنّ دولته وقفت وستقف في كل المراحل إلى جانب المظلومين. وختم رئيس الوزراء رسالته إلى إسرائيل بالجزم بأنّه «أمر غير مسموح به لشعب عانى العذاب والألم لفترة طويلة في التاريخ، ألّا يحترم الحياة البشرية أكثر من أي شعب آخر، وأن يتورّط في مثل هذا العنف».
وعن وساطة بلاده لوقف المجزرة اليومية، كشف أردوغان عن أنها تهدف إلى: وقف فوري للهجوم الإسرائيلي، وتثبيت وقف دائم لإطلاق النار من جانب الطرفين، وفتح جميع المعابر ورفع نهائي للحصار، وإنجاز ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية.
ولأنّ أردوغان، بنشاطه الدبلوماسي ومواقفه الحادّة والواضحة من حكّام تل أبيب، كان عرضة طيلة الفترة الماضية لانتقادات خصومه السياسيين الأتراك، كان لا بدّ له أن يردّ على هؤلاء. وفي معرض هذا الردّ، اتّهم خصومه بأنهم ينتقدونه لأهداف انتخابية، في إشارة إلى الانتخابات المحلية المقررة في تركيا في آذار المقبل.
وخاطب رئيس الحكومة زعماء المعارضة بالقول: «سمعت انتقادات أشارت إلى أنه كان على الحكومة فعل هذا وذاك... لكنني أقول لكم إنه يجب أن نكون صريحين وشرفاء، ليس من الجيّد إطلاق مثل هذه التصريحات بغية كسب عدد من الأصوات، فنحن رأيناكم في السابق، تستغلون مثل هذه الأحداث لأهداف انتخابية».
وفي معرض هجومه المضاد على قادة المعارضة، لفت إلى أن «هؤلاء لم يفعلوا شيئاً في القضايا الإقليمية عندما كانوا في سدّة الحكم». وعن مطالبة بعض المعارضين بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، سأل أردوغان: «لماذا لم تبادروا أنتم إلى قطع هذه العلاقات عندما كنتم في الحكم؟».
وكان أردوغان في دفاعه عن مواقفه الرسمية كرئيس للحكومة، ينتقد مواقف صدرت عن أحزاب المعارضة القومية واليسارية وبعض الأحزاب الإسلامية التي طالبت حكومة بطرد السفير الإسرائيلي، وبسحب السفير التركي لدى تل أبيب. حتى إن بعض القوى التركيّة حثّت حكومة «العدالة والتنمية» على قطع جميع العلاقات الدبلوماسية مع الدولة العبرية.
وفي ما يخصّ التوتّر المسيطر على العلاقات التركية ــ الإسرائيلية، شدّدت صحيفة «هآرتس» أمس على أنّ عملية «الرصاص المصهور» أضرّت بـ«شهر العسل» بين الدولتين، وخصوصاً على صعيد العلاقة الشخصية بين أولمرت وأردوغان.
وأشارت الصحيفة إلى أنه منذ بداية العدوان على غزة تسود قطيعة بين الرجلين، لذلك اتفق مستشاراهما، أحمد داوود أوغلو وشالوم تورجمان، على عدم إجراء أي اتصال بينهما في الفترة الراهنة، «خشية أن تتدهور تلك الاتصالات لتتحوّل إلى اتهامات متبادلة وتنتهي بتفجير يضرّ أكثر بالعلاقات الثنائية».
يُذكَر أن وزارة الخارجية الإسرائيلية استدعت مطلع الأسبوع الجاري السفير التركي لدى تل أبيب، ناميك طان، ووبّخته على خلفية تصريحات أردوغان، الذي رأى أن الهجوم الإسرائيلي، «لم يحترم تركيا». كما لفتت الصحيفة إلى أن الأتراك رفضوا قبل أيام طلباً إسرائيلياً لزيارة ليفني إلى أنقرة، على قاعدة أنها «إن لم تكن تريد أن تتحدث عن وقف إطلاق النار، فلا تأتي».
من جهتها، نقلت «يديعوت أحرونوت» عن مصادر في ديوان رئاسة الوزراء، اعترافها بأن «الاستعانة بأردوغان الإسلامي للتوسط مع سوريا كان خطأً وقد عرَّضت مصالح هامة جداً مع تركيا للخطر مقابل لا شيء».
(الأخبار)