قمّة سداسيّة في الدوحة ومشروع بيان من وحي خطاب حمد ■ سليمان يتراجع ويسافر لـ«التشاور» وانتقادات واسعة لتردّده
■ إسرائيل تعدّ اتفاقاً عالميّاً لمكافحة تسليح المقاومة في غزّة

أقرّت إسرائيل، التي يبدو أنها تتجه إلى إعلان وقف لإطلاق النار من جانب واحد، بتصلب لدى «حماس» عنوانه رفض أي هدنة غير محددة زمنياً ولا تشمل انسحاباً لقوات الاحتلال من غزة، التي ستكون مأساتها محور قمة سداسية تعقد في الدوحة اليوم، يُتوقع أن يولد خلالها محور عربي داعم للمقاومة

إبراهيم الأمين
حتى فجر اليوم، كانت السعودية ومصر وعواصم غربية قد نجحت في تعطيل نصاب قمة الدوحة الطارئة، وكانت المأساة قد تمثلت في إعلان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عدم مشاركته فيها، رغم أنه يُفترض أنه يمثّل الشعب الذي تعقد لأجله. وبناءً على ذلك، تتجه الدوحة اليوم إلى استضافة لقاء تشاوري على مستوى رؤساء الدول الذين حضر معظمهم مساء أمس إلى قطر، ومناقشة مسوّدة بيان يحتوي ضمناً على البنود التي وردت في خطاب أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، مع خطة عمل لنقل هذه الأفكار إلى اللقاء التشاوري الرئاسي المفترض عقده في الكويت على هامش القمة الاقتصادية.
وقررت القيادة القطرية التصرّف وكأنّ القمّة الفلسطينية التي دعت إلى عقدها في الدوحة اليوم، لا تزال قائمة، بالرغم من تمكّن خصومها العرب من إعاقة توفير نصاب الثلثين الضروري لشرعنتها.
ويبدو أنّ الدوحة ستشهد قمّة مصغّرة ستكون سداسية، تضمّ إلى الأمير القطري كلاً من الرئيس السوداني عمر البشير والسوري بشار الأسد ورئيس المجلس العسكري الموريتاني الجنرال محمد ولد عبد العزيز والجزائري عبد العزيز بوتفليقة والرئيس اللبناني ميشال سليمان، الذين وصلوا جميعاً أمس إلى الدوحة، بعدما اعتذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن عدم الحضور. ومع ذلك تُفيد المصادر القطرية بأنها تتوقع حضور 13 رئيس دولة، بينها الإمارات والعراق. كذلك يحل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي وصل أمس إلى الدوحة، ضيفاً على القمة.
في المقابل، رأى مدير مكتب الأمين العام للجامعة العربية هشام يوسف، أن الدعم لعقد قمة عربية «قد تراجع»، إلى 13 دولة تريدها. ونعى يوسف قمة الدوحة، مشيراً إلى أن وزراء الخارجية والاقتصاد العرب سيجتمعون اليوم في الكويت للإعداد للقمة الاقتصادية التي تستضيفها عاصمتها الاثنين المقبل.
لكن مصادر عربية واسعة الاطلاع كشفت، لـ«الأخبار»، عن حقيقة الضغوط التي مارسها الرئيس المصري حسني مبارك من أجل إفشال دعوة أمير قطر لعقد القمة. وخلافاً لما كرّره الأمين العام للجامعة عمرو موسى ومساعده يوسف بشأن عدم اكتمال النصاب القانوني، فإنّ 16 دولة عربية كانت بالفعل قد أبلغت الأمانة العامة للجامعة رسمياً تأييدها لعقد قمة الدوحة.
وأوضحت المصادر أن ما جرى من ضغوط سياسية سرية مكثفة قادتها مصر والسعودية، قد أدى إلى تراجع 4 دول، هي العراق، الصومال، الكويت والمغرب، عن موافقتها السابقة على عقد القمة وسحب تأييدها لعقدها.

«تواطؤ» موسى

وعن «تواطؤ» موسى مع مساعي القاهرة والرياض لعرقلة انعقاد قمة الدوحة، قال دبلوماسي عربي، طلب عدم الكشف عن هويته، «كان هناك بالفعل نصاب قانونيّ، ولهذا كان موسى يتكتم على أسماء الدول الموافقة على عقد القمة، حتى يتيح الفرصة لنجاح الضغوط التي تستهدف بعض الدول والقادة». وأشار المصدر المقرّب من تطوّرات القمة إلى أنه «من خلال اتصالاتنا بالمندوبين الدائمين للدول الأعضاء في الجامعة العربية، كان هناك 16 دولة موافقة فعلياً ورسمياً على عقد القمة، لكن بعدما اشتغلت دبلوماسية التلفون، انسحبت بعض الدول».
وعلى هذا الصعيد، كان يفترض بموسى بموجب الأصول، أن يعلن فور اكتمال النصاب القانوني للرأي العام العربي هذه المعطيات، وألا يبقيها في حوزته أو يتكتم عليها، مانحاً الوقت الكافي للضغوط المصرية والسعودية لتعطيل عقد القمة.
في هذا الوقت، نفى أبو الغيط ما تردّد من أنباء عن إمكان عقد قمة ثلاثية مصرية ـــــ فرنسية ـــــ تركية يوم الثلاثاء المقبل في مصر، بما أن «الأولوية حالياً تتركز على جهود وقف إطلاق النار في غزة».
وكان الأسد قد أكد، في اتصال مع أردوغان في وقت سابق أمس، «ضرورة الضغط على إسرائيل لوضع حد لهذه المجازر ووقف العدوان فوراً على الشعب الفلسطيني».
إلى ذلك، أشادت حركة «حماس»، في بيان، بالخطاب «الشجاع» الذي ألقاه أمير قطر، معبّرة عن أملها في اتخاذ «خطوات عملية تترجم» ما جاء فيه، فيما ندّد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان عبد الله شلح بموقف الدول الرافضة لقمة الدوحة، داعياً حكام هذه الدول إلى «شطب أسمائهم من قائمة العار والموافقة على انعقاد القمة في الدوحة».

تقديرات سياسية في إسرائيل

وذكرت الإذاعة الإسرائيلية مساء أمس أن اسرائيل تطالب بعدم «وجود إطار زمني محدد، لوقف إطلاق النار، وأن تُستحدث آلية مراقبة دولية في محور رفح، كذلك تشترط استئناف المفاوضات بشأن الجندي المخطوف جلعاد شاليط. إضافة إلى ذلك، هناك مطلب إضافي، هو أن تتسلم السلطة الفلسطينية مسؤولية معبر رفح». وبحسب مراسل الإذاعة للشؤون السياسية، فان إسرائيل تعمل على مسارين: الأول مصري ـــــ أميركي، وبموجبه يُوقَّع اليوم على مذكرة تفاهم أمنية ـــــ استخبارية، بين إسرائيل والولايات المتحدة، على أن يتركز التفاهم على معالجة واسعة وطويلة الأمد لمسألة تهريب الأسلحة إلى القطاع، إضافة إلى الاتفاق على توظيف الأسرة الدولية لمراقبة المسارات التي تتسرب منها الأسلحة، عبر القنوات الإيرانية والسودانية والإريترية، إضافة إلى دول أخرى.
في إطار ذلك، يضيف المراسل، التقى المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، اهارون ابراموفيتش، في واشنطن، مسؤولين في وزارة الخارجية الأميركية، من أجل إنهاء صيغة متفق عليها لتفاهم يعنى بمعالجة التهريب، وذلك قبل أن تصل وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني إلى العاصمة الأميركية، للتوقيع على ما يلزم الإدارة الاميركية بمنع تهريب الأسلحة إلى غزة عن طريق البحر والبر بالتعاون مع دول أخرى، والجهد المرتقب سيكون مركزاً على دول وجهات تدور في الفلك الإيراني.
وأشار المراسل الى أن الحديث الإسرائيلي يشير الى نشر قوة بحرية تابعة لحلف شمالي الأطلسي، وتقديم مساعدة أميركية ملحوظة في المجال الاستخباري، كذلك فإن إسرائيل تطالب أيضاً بفرض عقوبات على إيران، إذا عمدت إلى الاستمرار بتهريب السلاح إلى غزة.

مسوّدة اتفاق

وكان مراسل الشؤون السياسية في القناة الثانية الاسرائيلية، أودي سيغل، قد اشار امس، نقلاً عن مصدر سياسي رفيع المستوى، الى ان «شروط وقف اطلاق النار قد نضجت بالفعل، رغم ان مسار البلورة النهائية للاتفاق، قد يستغرق يوماً او يومين او حتى ثلاثة ايام، على ان يكون كل شيء منتهياً حتى يوم الاثنين المقبل».
وأشار المراسل إلى ان بنود مسوّدة اتفاق وقف اطلاق النار، تتبلور على الشكل الآتي:
اولاً: يُعلن عن هدنة تستمر 48 ساعة، على ان توقف «حماس» اطلاق النار، وتسحب اسرائيل جيشها من القطاع، في الوقت الذي تعمد فيه مصر الى تفعيل رقابتها على التهريب (في رفح)، بمشاركة دولية. وفي هذه المرحلة ايضاً، توقع الولايات المتحدة على مذكرة تفاهم لمعالجة مسارات تهريب الاسلحة.
ثانياً: تنطلق مفاوضات غير مباشرة بين اسرائيل و«حماس»، بوساطة من مصر، تتركز على موضوع الجندي الاسير جلعاد شاليط، اضافة الى مسألة المعابر الى غزة.
الا ان المراسل نفسه عاد، في وقت لاحق من ليلة امس، وتحدث عن موقف متصلب لـ«حماس» في ما يتعلق بمدة الهدنة، التي تريدها لمدة عام واحد، اضافة الى فتح المعابر، مشيراً الى ان «اسرائيل كما يبدو في معضلة اضافية، لا تتعلق بوقف اطلاق النار، بل بكيفية الخروج، فهل يجري ذلك احادياً واستناداً الى العقاب لفرض وقف اطلاق النار، ام تعمد الى استكمال العملية العسكرية حتى اسقاط حماس».
ونقلت القناة العاشرة الاسرائيلية عن رئيس الدائرة السياسية الامنية في وزارة الدفاع عاموس جلعاد قوله إن «حماس ما زالت متصلبة في مواقفها، ولم تليّن من شروطها في ما يتعلق بوقف اطلاق النار وفتح المعابر وسحب القوات الاسرائيلية من القطاع، وهي مواقف تشير الى عكس ما كنا قد اعتقدناه هنا في اسرائيل» وان «موقف مصر اقرب الى الموقف الاسرائيلي، بل هم يطالبون بوقف اطلاق نار لمدة اسبوع على خلفية انسانية، على ان يجري الحديث عن انسحاب الجيش الاسرائيلي بعدها». وأشار الى ان «المصريين يؤيّدون موقفنا، ويقولون ان حماس ستقوم بما نريده في نهاية المطاف». اما بخصوص ما نقله جلعاد من مصر، فإن «هناك أجوبة مركبة، الا ان ذلك لا يعني بالضرورة ان ليس هناك وقف لاطلاق النار، وايضاً لا يعني ان ذلك سيحصل بالفعل».

مشاركة لبنان في الدوحة

وبعد اخذ وردّ خلال اليومين الماضيين تخللتهما حملة احتجاج سياسي وشعبي على تردّد رئيس الجمهورية في المشاركة في قمة الدوحة، اعلن قصر بعبدا امس توجه الرئيس سليمان الى العاصمة القطرية للقاء الرؤساء العرب هناك، وإذا حصل نصاب للقمة العربية فسيكون مشاركاً في اعمالها.
وقالت اوساط بعبدا، لـ«الأخبار»، إن «الرئيس لم يكن قد رفض المشاركة ولكنه اجرى سلسلة من المشاورات وإنه لا يتعرّض لضغوط من احد، لا من فريق 14 آذار ولا من فريق المعارضة، وهناك عدة اسباب دفعته الى السفر اهمها بيان امير قطر ليل أول من أمس، الذي اوحى بالاصرار على عقد القمة، وحصول اتصالات وزارية بين بيروت والدوحة اكدت على المشاركة في القمة».
وقالت الاوساط نفسها ان سليمان يرى «لبنان في دور توفيقي وليس طرفاً في النزاع العربي القائم حالياً». واضافت «ان الرئيس توجه لأنه لا يقدر ان يغيب عن لقاء تشاوري لمواجهة ازمة بحجم ما يحصل في غزة، وإذا توافر نصاب القمة، فسيكون مشاركاً فيها، ولكن اذا عُقد اللقاء على اساس انه قمة وبمن حضر فسيعتذر عن الجلوس الى الطاولة».
وكان سليمان قد أفاق امس على موجة من الاحتجاجات ابرزها الشعارات التي رفعت في التظاهرة الشبابية امام السفارة الاميركية في عوكر، كذلك صدور مواقف ابرزها للرئيسين اميل لحود وسليم الحص وبيانات لشخصيات من المعارضة. كذلك تلقى سليمان اتصالات من عدد من الشخصيات ابرزها من النائب العماد ميشال عون، الذي اكد ان «لبنان له موقفه في قلب المعركة بسبب ما تفرضه اسرائيل علينا من تحديات واعتداءات». اما الوزير السابق سليمان فرنجية فقد اكد له «ضرورة مشاركة لبنان وعدم وضعه في محور ضد محور وانه ليس مضطراً الى أن يتخذ موقفاً حاداً».
وجاءت هذه الاتصالات لتؤكد ما نقله الى بعبدا امس ممثلان عن الرئيس نبيه بري والامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وسماع سليمان «موقفاً واضحاً من جانب قوى اساسية في المعارضة يفيد بأن عدم مشاركته في القمة سوف يجري التعامل معه على اساس انه انحياز الى طرف يقف الآن في مواجهة الشعب الفلسطيني».
وتولى المدير العام للامن العام اللواء وفيق جزيني اجراء الاتصالات مع الشخصيات الرئيسية ولا سيما مع الرئيس نبيه بري وقيادة حزب الله من اجل عدم ايصال الامور الى مستوى الانفجار. كذلك اجرى معاونون للرئيس اتصالات بعدد من السياسيين والاعلاميين للاستفسار عما يجري وأبعاد ردود الفعل القائمة.

مجلس الوزراء

وفي جلسة مجلس الوزراء التي استمرت حتى منتصف الليل، حصل نقاش شارك فيه غالبية الوزراء، وقال خلاله الرئيس فؤاد السنيورة انه تبلغ من رئيس الجمهورية تلقيه اتصالاً من امير قطر يدعوه الى لقاء تشاوري. وأضاف السنيورة ان «الدستور يسمح لرئيس البلاد بعقد لقاءات تشاورية. ولذلك هو سافر الى الدوحة للمشاركة في اللقاء التشاوري لا للمشاركة في قمة عربية إذا لم يكتمل نصابها».
وتحدث الوزير وائل ابو فاعور معترضاً على سفر رئيس الجمهورية لان «هذه الخطوة تظهر لبنان كأنه في محور عربي ضد محور آخر»، فتطوع وزير الدفاع الياس المر للرد عليه متحدثاً باسم الرئيس قائلاً إن «الرئيس يقول ان لبنان ليس في محور ضد محور آخر، وهو سيشارك في لقاء الدوحة اليوم كما سيشارك الاثنين في لقاء الكويت التشاوري». ثم كانت مداخلة للوزير نسيب لحود الذي شدد على ان «الرئيس يستخدم حقه الدستوري في التشاور ولو كان الامر يتعلق بقرارات لعاد الى مجلس الوزراء».
واذ اكد الوزير محمد فنيش «عدم دخول لبنان في محاور او تعزيز الانقسام العربي»، شدد على «اهمية الموقف في مواجهة الجرائم التي ترتكبها اسرائيل والتي سبق ان ارتكبت مثلها في لبنان وهي تهدد لبنان اليوم كما في السابق». وقال ان الخروق الاسرائيلية المستمرة للحدود دليل على ذلك.
وتحدث الوزير جبران باسيل عن ان «لبنان دفع اثماناً كبيرة في الصراع وهو يعرف معنى المواجهة والمقاومة. واذا كان لبنان غير قادر على دعم غزة الا بالسياسة فمن المهم ان نؤدّي دورنا في خلق موقف عربي يساعد الفلسطينيين الذين يقاومون في الميدان».