حسام كنفاني«الله لا يوفقك يا مصر»، قالها الرجل الجالس في متجره بحرقة وهو يتابع مشاهد المجزرة من قطاع غزّة عبر التلفزيون. الرجل غير ضليع في السياسة ولا هو متبحّر في شؤون ما يدور خلف الأبواب المغلقة أو بالتقارير السريّة المتبادلة بين الدولة العبريّة وبعض الدول العربية، وفي مقدمتها مصر. إلا أن حقده نابع من مشهد وقوف وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني إلى جانب نظيرها المصري أحمد أبو الغيط في القاهرة لكيل التهديدات على مسمع من المضيف العربي. «أعطتهم مصر الضوء الأخضر، وها هم يطبقون»، هكذا وصّف الرجل الوضع. لم يسمع التصريحات المصرية على المدى الأشهر الماضية، ولم يقرأ عن الحشود المصرية على حدود القطاع لضمان بقاء أهله داخله هدفاً سهلاً لطائرات الاحتلال. لم يكن أحمد أبو الغيط قد أطلق أطروحة لوم الشهداء باعتبار أن «من لم يسمع التحذيرات فلا يلم إلا نفسه».
هو واحد من بين ملايين المواطنين المعتادين على النسيان، فلم ترد إلى ذهنه قرارات القاهرة الكثيرة على مر السنتين الماضيتين خصوصاً، بدءاً من تهديد «تكسير الأرجل» لصاحبه أبو ألغيط لكل فلسطيني يعبر الحدود، مروراً بمنع قوافل المساعدات المصرية حتى من مغادرة المدن للتوجه إلى الطريق المؤديّة إلى سيناء والمشاركة في تجويع مليون ونصف مليون فلسطيني عبر الإصرار على إبقاء معبر رفح مغلقاً بذرائع مختلفة، وصولاً إلى تسريبات الطمأنة التي خرجت من القاهرة قبل أيام لحركة «حماس» بأن لا عدوان في الأيام المقبلة.
كل هذا لم يخطر في ذهن الرجل، استفزّه فقط مشهد أبو الغيط وليفني. هو يعكس حالة عامة في الشارع الفلسطيني والعربي، وحتى المصري، الذي يرى أن إسرائيل عدو يتوقع منه المجازر والمذابح، لكنه بات يرى «أعداءً» آخرين متناثرين هنا وهناك في ثنايا الأمة العربية.
بات هناك اقتناع في الشارع بأن الإدانة يجب ألا تصب على إسرائيل وحدها، بل على الممهدات الكثيرة الكثيرة التي أوصلت الشعب الفلسطيني عموماً، وأهالي قطاع غزّة خصوصاً، ليكون ضحية سهلة للذبح داخل السجن الكبير، الذي تتشارك إسرائيل ومصر في حراسته.
لم يعد من المسموح أن تخرج الاستنكارات على الهمجية الصهيونية فقط، فهي أمر مسلّم به واختبر على مدى العقود الماضية في فلسطين ولبنان وسوريا ومصر. هناك شريك ثانٍ في العملية لا بد من أن يلقى النصيب الأكبر من اللوم، ولا بأس أيضاً من العقاب.