غزة ــ قيس صفدي...وفي اليوم الرابع للعدوان الإسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، ها هي آلة الحرب تسجّل مجازر إضافية بحق الفلسطينيين. قصف يخرق آذان الأطفال، ويعلو فوق صراخهم، ويحرمهم مجرد الحلم بغدٍ أفضل. ألم وخوفٌ، وارتفاع لعدد الشهداء إلى نحو 385 شهيداً، وسقوط أكثر من 1800 جريح

المقاومة تقصف «بئر السبع»: نيراننا تطال مليون إسرائيليهكذا إذاً، تواصل الطائرات الحربية والمروحيات وطائرات الاستطلاع من دون طيار، تحليقها المكثف من شمال القطاع إلى جنوبه، كوحش يبحث عن فريسة من الأبرياء. ولم يمنع ذلك المقاومة الفلسطينية من إطلاق دفعات من الصواريخ، كان أبرزها قصف بلدة «كريات ملاخي» الإسرائيلية، شمال بئر السبع، بصاروخ «غراد» للمرة الأولى، ما يضع أكثر من مليون إسرائيلي في مرمى صواريخ المقاومة.
ووجد الغزيون أنفسهم تحت «نظام منع تجول طوعياً»، إذ التزموا منازلهم المظلمة جراء انقطاع التيار الكهربائي عن مساحات واسعة من القطاع، منذ بدء الغارات الجوية الإسرائيلية. كذلك واصلت الجامعات والمدارس والمحالّ التجارية إغلاق أبوابها، ما عدا قليلاً من المحال الصغيرة داخل المخيمات التي يتسلل إليها السكان «خلسة»، للتزود بالقليل مما تحويه من مواد وبضائع.
وفي تفاصيل الغارات الجوية، استشهدت الشقيقتان لمى (4 أعوام)، وهيا طلال حمدان (11 عاماً)، جراء غارة جوية استهدفت العربة التي كانت تقلهما في بلدة بيت حانون شمال القطاع.
وقصفت طائرة حربية من طراز «إف 16»، مركز شرطة في منطقة القرارة جنوب القطاع، ما أدى إلى دمار المركز بالكامل، واستشهاد شاب وإصابة آخر. وشنت الطائرات الحربية غارات متتالية استهدفت منازل سكنية، وورش صناعية، ومصنعاً لمنتجات الألبان، ومواقع تدريب تتبع لكتائب «عز الدين القسام»، الذراع العسكرية لـ«حماس».
وشاركت نحو 10 طائرات حربية من طراز «إف 16»، ليلاً، في إطلاق نحو 15 صاروخاً في غضون 5 دقائق فقط، نحو مجمع الوزارات الحكومية، التي تضم معظم وزارات حكومة «حماس»، غرب مدينة غزة، فسوّتها أرضاً، ما أدى إلى سقوط 10 شهداء وعدد من الجرحى.
كذلك دمرت الطائرات الحربية مسجد «الفاروق» في مخيم البريج للاجئين، وسط القطاع، وهو السادس الذي تستهدفه الغارات خلال أربعة أيام.
أما أبشع الجرائم الناجمة عن الغارات الجوية، فقد وقعت ليل الأحد الاثنين، حين قصفت طائرة حربية من طراز «إف 16»، مسجد الشهيد عماد عقل في مخيم جباليا للاجئين، شمال القطاع، ما أدى إلى استشهاد خمس شقيقات من عائلة بعلوشة، إثر انهيار سقف منزلهن المتواضع فوق رؤوسهن.
وقالت سميرة بعلوشة، والدة الشقيقات الخمس، إنها استيقظت على وقع الانفجار الهائل، فوجدت ابنها الوحيد محمد (عام ونصف عام)، قد اكتسى جسمه ووجهه بالغبار، وأصغر بناتها براء (4 أشهر) قد وقعت عن سريرها، وركام المنزل يغطيها. وأضافت أنها انتشلت ابنها وابنتها، قبل أن تتوجه إلى غرفة بناتها التي يفصلها عن المسجد زقاق صغير لا يزيد على نصف متر، فسقطت مغشياً عليها من هول الصدمة، إذ وجدت بناتها بلا حراك.
وفي جريمة ثانية لا تقل بشاعة، قصفت طائرة حربية منزل زياد العبسي في مخيم يبنا للاجئين في مدينة رفح، جنوب القطاع، فاستُشهد ثلاثة من أطفاله بعدما حولت الصواريخ أجسادهم الغضة إلى أشلاء متناثرة.
ووجه الاحتلال رسالة إلى «حماس»، قال فيها إن «كل مؤسساتها عرضة للتدمير من دون استثناء»، فقصفت الطائرات الحربية مبنى المختبرات العلمية في قسم الطالبات في الجامعة الإسلامية، كبرى المؤسسات التابعة لـ«حماس»، فدمرته بالكامل.
وشاركت الزوارق الحربية المنتشرة في عرض البحر، والطائرات الحربية، في التناوب على قصف قصر الحاكم الذي يتخذ منه رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية مقراً لمباشرة مهامه، منذ سيطرة «حماس» على غزة منتصف حزيران 2007، ومجمع «أنصار الأمني»، ومواقع أمنية على امتداد شاطئ بحر مدينة غزة.
وفي السياق، أفاد شهود عيان بأن الطائرات الحربية شنت عدداً من الغارات على الشريط الحدودي مع مصر، عند معبر رفح، مستهدفة عدداً من الأنفاق على طول الشريط الحدودي.
ووصفت حكومة هنية ما يشهده القطاع بفعل الغارات الجوية بأنه «حرب إبادة جماعية على الشعب الفلسطيني»، مشددةً على أن «إرهاب الدولة الإسرائيلي لن يمنع الحكومة من مواصلة مهامها، ولن يدفعها إلى الخضوع لإملاءات الاحتلال».
وفي تطور نوعي لافت، أطلقت «كتائب القسام»، للمرة الأولى، صاروخاً من طراز «غراد» روسي الصنع، على بلدة «كريات ملاخي» في منطقة بئر السبع. وهذه هي المرة الأولى التي يصل فيها صاروخ إلى هذا العمق، الأمر الذي يندرج في سياق تهديد «كتائب القسام» بتوسيع عمليتها «بقعة الزيت اللاهب»، وجعل أكثر من مليون إسرائيلي تحت مرمى النيران. كذلك هددت بتوسيع رقعة قصفها لإسرائيل، ليصل إلى «أماكن أبعد ومدن أخرى».
ونجحت فصائل المقاومة، رغم التحليق المكثف للطيران الحربي بأنواعه، وسوء الأحوال الجوية، في إطلاق دفعات من الصواريخ المحلية الصنع، وقذائف الهاون، على بلدات ومواقع إسرائيلية متاخمة للقطاع.
وأقرت مصادر إعلامية إسرائيلية بسقوط خمسة قتلى، بينهم عامل عربي من فلسطينيي 48، وعشرات الجرحى، 3 منهم في حال الخطر، جراء صواريخ المقاومة.

الأمن الفلسطيني يساعد الاحتلال على قمع انتفاضة الضّفة تواصلت التظاهرات المنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة في مناطق الضفة الغربية، ما يعكس تعارض مواقف الشعب مع قرارات السلطة الفلسطينية، وسط قمع الجيش الإسرائيلي، بمساندة قوات الأمن الفلسطينية
أعلنت مصادر طبية فلسطينية أن «أربعة فلسطينيين، بينهم فتى في الثالثة عشرة من عمره، جرحوا برصاص الجيش الإسرائيلي في جنوب رام الله في الضفة الغربية، إثر مواجهات وقعت بين شبان وأفراد من الجيش الإسرائيلي، عند الحاجز العسكري بالقرب من مخيم قلنديا، رشق خلالها الشبان القوات الإسرائيلية بالحجارة احتجاجاً على الهجمات الإسرائيلية على غزة».
وفي الخليل أيضاً، أصيب ثلاثة مواطنين على الأقل في تجدد المواجهات بين قوات الاحتلال وتلاميذ المدارس الغاضبين والمحتجين على استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع.
وقالت مصادر قسم الطوارئ في مستشفى المحتسب إن «طفلاً يبلغ من العمر 13 عاماً، أدخل إلى المشفى وتلقى العلاجات اللازمة إثر إصابته بعيار معدني مغلف بالمطاط في الرأس، أطلقه جنود الاحتلال خلال المواجهات التي اندلعت على مقربة من المشفى».
وأضاف شهود عيان أن «طفلين آخرين من تلاميذ المدارس، أصيبا بحالات اختناق جراء استنشاقهما للغاز المسيل للدموع، الذي أطلقته قوات الاحتلال بكثافة في ميدان طارق بن زياد، وقد تلقيا الإسعافات الميدانية».
وتركزت هذه المواجهات على خطوط التماس الفاصلة بين مناطق السيطرة الفلسطينية «أ» والمناطق الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية «ب»، في شارع الشلالة وسط المدينة، وفي محيط مدرسة طارق بن زياد جنوب المدينة.
وتواصل الحداد والإضراب الجزئي في الخليل وبلدات وقرى المحافظة المحيطة، وأغلقت معظم المحال والمصالح التجارية أبوابها لليوم الرابع على التوالي، بينما عُلِّق الدوام في جامعتي بوليتكنك فلسطين والخليل، احتجاجاً على استمرار المجازر الإسرائيلية.
وخرج مئات الفلسطينيين إلى شوارع بيت لحم ورام الله في الضفة الغربية، للاحتجاج على العمليات الإسرائيلية في غزة. وفي تحرك غير معتاد، عمل أفراد من قوات الأمن الفلسطيني مع جنود إسرائيليين، لمواجهة المتظاهرين في بيت لحم.
وفي رام الله، شارك المئات في مسيرة لتشييع جثمان شهيد قتلته القوات الإسرائيلية الأحد الماضي، أثناء تفريق تظاهرة نظمها فلسطينيون للاحتجاج على عدوان غزة.
في السياق، نظمت مؤسسات المجتمع المدني في قلقيلية، مسيرة واعتصاماً أمام مقر الصليب الأحمر، احتجاجاً على المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال في غزة. وسلمت مذكرة لممثل الصليب الأحمر، دعته فيها إلى «ضرورة التدخل من أجل وقف المجازر، وأن يتحمل الصليب مسؤولياته في إيصال الدعم وتقديم المساعدات الإنسانية والطبية لسكان القطاع».
كذلك نظمت فعاليات مخيم عقبة جبر للاجئين الفلسطينيين، على المدخل الجنوبي لمدينة أريحا، مسيرة تضامنية مع غزة، شارك فيها مئات الأهالي وممثلو فعاليات ومؤسسات شعبية في المخيم.
وفرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي، حظر التجوال على بلدة حوارة جنوبي مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، ومنعت خلاله مواطني البلدة من التحرك والتنقل. وذكرت مصادر في البلدة أن سيارات عسكرية إسرائيلية فرضت حظر التجوال عبر مكبرات الصوت على المحالّ التجارية، والمنازل الواقعة على الشارع الرئيسي.
في هذا الوقت، اتهمت حركة «حماس» الأجهزة الأمنية الفلسطينية «باعتقال 27 من كوادرها وأنصارها في عدة مناطق من الضفة الغربية».
وإلى مدينة البيرة، نظمت نقابة المحامين الفلسطينيين اعتصاماً حاشداً، أمام مجمع المحاكم، تحت شعار «لا للاحتلال وجرائمه.. نعم للوحدة الوطنية».
وشارك في الاعتصام، نقيب المحامين علي مهنا، وأعضاء من النقابة إضافة إلى عشرات المحامين والأساتذة والمتدربين والحقوقيين والقضاة. وأعلنت النقابة تعليق العمل في المحاكم والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، في كل مناطق السلطة الوطنية ومحافظاتها.
وقد وجهت النقابة نداءً إلى اتحاد المحامين العرب «حثتهم فيه على رفع الصوت عالياً، وإعلان الإضراب ليوم واحد تضامناً مع محامي فلسطين وشعبها، واتخاذ الخطوات القانونية والإجرائية السريعة، والضغط من أجل محاكمة مُسبِّبي جرائم الحرب، ضد أطفال وشيوخ ونساء قطاع غزة».
كذلك اعتصمت مجموعة من المحامين وأعضاء النقابة في مقرها، لمناقشة الإجراءات التي من شأنها مساعدة الغزاويين، مثل التبرع بالدم وجمع المساعدات، وبعثها إلى القطاع بالتعاون مع الهلال الأحمر الفلسطيني باسم نقابة المحامين.
وأعلن مجلس النقابة «تعليق العمل لمدة ساعة واحدة الأربعاء (اليوم)، الساعة الحادية عشر صباحاً، بدعوة من اتحاد المحامين العرب، تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وللتعبير عن إدانتهم وشجبهم واحتجاجهم ورفضهم للمجزرة الإسرائيلية التي ترتكب بحقهم».
(أ ف ب، يو بي آي، وفا، معا)