فيما كانت السلطات الماليّة الأميركيّة تعلن وضع خطّة إنقاذ جديدة تبلغ قيمتها 800 مليار دولار لضمان القروض العقاريّة والمنتجات الماليّة المريبة، حذّرت منظّمة التعاون والتنمية الاقتصاديّة (OECD) من أنّ بلدانها ستدخل خلال العامين المقبلين مرحلة ركود، هي الأكثر حدّة منذ بداية ثمانينيّات القرن الماضي، وسترفع عدد العاطلين من العمل إلى 42 مليون شخص
«العديد من اقتصادات منظّمة الأمن والتعاون الاقتصادي هي في مرحلة ركود، أو على وشك الدخول فيها»، يحذّر كبير الاقتصاديّين في المنظّمة، كلوس شميدت هيبيل، في عرضه للتقرير النصف سنوي الذي أصدرته منظّمته التي تعنى بشؤون 30 بلداً غنياً، في باريس أمس.
فالأوضاع الاقتصاديّة في اليابان والولايات المتّحدة وأوروبا ستزداد سوءاً، وستنكمش اقتصادات تلك البلدان خلال العام المقبل، استكمالاً لنمط النموّ المسجّل خلال العام الجاري،أو خلال ربعيه الأخيرين على الأقلّ.
وعلى الرغم من أنّ هذه التوقّعات ليست الأولى من نوعها، حيث كان صندوق النقد الدولي قد حذّر من أنّ الاقتصادات المذكورة ستتقلّص بنسب معدّلها 0.2 في المئة خلال عام 2009، إلّا أنّها تعيد التحذير من أنّ لأزمة الائتمان تداعيات لا تنفكّ خطورتها تظهر مع مرور الأيّام.
وبحسب تقرير المنظّمة، فإنّ اقتصاد الولايات المتّحدة سيتقلّص بنسبة 0.9 في المئة واقتصاد منطقة اليورو (15 بلداً يعتمد العملة الأوروبيّة الموحّدة) بنسبة 0.6 في المئة واليابان بنسبة 0.1 في المئة، على أن يبلغ معدّل انكماش الناتج الإجمالي للمنطقة 0.4 في المئة.
والبارز في توقّعات المنظّمة هو أنّها تفترض ارتفاع عدد العاطلين من العمل بأكثر من 8 ملايين شخص في منطقتها بحلول عام 2010، ليصل عددهم الاجمالي إلى 42 مليوناً في مقابل 34 مليون شخص حالياً، حيث سيبلغ معدّل البطالة في الدول الغنيّة 5.9 في المئة للعام الجاري و6.9 في المئة في العام التالي و7.2 في المئة في 2010.
وبالنسبة إلى مؤشّرات الماليّة العامّة لبلدان المنظمة، فإنّها توضح أنّ الأفق سوداوي أيضاً. فعجز المنطقة سيرتفع من 2.5 في المئة من نسبة الناتج المحلّي الإجمالي خلال العام الجاري، إلى 3.8 في المئة من الناتج العام المقبل، و4.1 في المئة من الناتج خلال عام 2010. وهذا الموضوع يطرح ضغوطاً متزايدة على الآليّات التي تفترضها السلطات الماليّة من أجل تحفيز النموّ.
وفي هذا الصدد، يدعم تقرير المنظّمة فكرة اعتماد خطط تحفيز اقتصادي من أجل مواجهة تداعيات الأزمة الماليّة على الجوانب الحقيقيّة من الاقتصاد. إلّا أنّه يشدّد على ضرورة الإضاءة على مشكلة الديون، إضافة إلى عكس مفاعيل السياسات الضريبيّة والإنفاق العام عندما يعود النموّ إلى الجهة الإيجابيّة. وعن هذه النقطة، يقول شميدت هيبيل إنّ على المصارف المركزيّة خفض أسعار الفوائد من أجل تحفيز عجلة الاقتصاد، من دون أن يشير إلى مدى إمكان خفض تلك الفوائد، إن على صعيد الهوامش المتاحة أو في إطار التشديد على سياسات كبح التضخّم التي يوليها المصرف المركزي الأوروبي أولويّة.
ففي الولايات المتّحدة على سبيل المثال، خفض الاحتياطي الفدرالي معدّل الفائدة إلى 1 في المئة في الفترة الأخيرة، من أجل تحفيز النموّ، ولا يمكن تحديد إذا ما كان مستعدّاً لخفض جديد إذا استمرّت حلقة الركود، وخصوصاً أنّ الأرقام الأخيرة تشير إلى صعوبة الأوضاع وانكماش حاد في العجلة الاقتصاديّة خلال الفترة الأخيرة.
فقد أظهرت بيانات وزارة التجارة أمس، أنّ الناتج المحلّي الأميركي تقلّص بنسبة 0.5 في المئة خلال الفصل الثالث من العام الجاري، ما يعكس ضعف إنفاق المستهلكين والصادرات والإنفاق الحكومي. ويرى العديد من الخبراء أنّ الانخفاض في الفصل الرابع قد يكون أسوأ بكثير، ما يعكس أزمة الائتمان والمشاكل التي يواجهها قطاع الإسكان والتصنيع.
وعن أكبر اقتصاد في العالم، يقول تقرير منظّمة الـ«OECD» إنّ التوقّعات الطويلة الأجل بالنسبة إليه تبدو «جداً غير مريحة»، فالبلد يتجه ليكون أكثر بلد مدين بين بلدان المنظّمة (قياساً للناتج المحلّي الإجمالي) خلال العقد المقبل.
والتركيز على اقتصاد الولايات المتّحدة يبدو مركزياً هنا، لأنّ الأزمات التي تنطلق فيها تظهر معقّدة، لدرجة أنّ السيطرة عليها لا تبدو ممكنة خلال أمد قصير. ومن هذا المنطلق، أعلنت السلطات الأميركية اعتماد مجموعة من الإجراءات الجديدة الهادفة إلى دعم قروض الاستهلاك وقطاع العقارات، تبلغ كلفتها حوالى 800 مليار دولار، وتتضمن استحواذ الاحتياطي الفدرالي على قروض تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار تمتلكها شركتا «Fannie MAe» و«Freddie MAc»، وكذلك على أسهم لديها مرتبطة بقروض عقارية تصل قيمتها إلى 500 مليار دولار. وهذه الرزمة الجديدة من الحقن الماليّة تتزامن مع إعلان الإدارة الأميركيّة المرتقب تولّيها زمام الأمور في كانون الثاني المقبل، برئاسة باراك أوباما، رزمة محفّزات اقتصاديّة تزيد قيمتها على نصف تريليون دولار من أجل إنعاش الاقتصادي خلال العامين المقبلين وخلق 2.5 مليون وظيفة.
(الأخبار)

  • انقر للصورة المكبرة...

    انقر للصورة المكبرة...