strong>في 14 من الشهر الجاري أعلنت منطقة اليورو أنّها دخلت تقنياً في مرحلة ركود، بعد فصلين متتاليين من التقلّص في ناتجها المحلّي الإجمالي، وخوفاً من ازدياد حدّة المرحلة، وخصوصاً بعد التوقّعات السوداويّة التي نشرتها منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية أعلنت المفوّضيّة الأوروبيّة خطّة تحفيز قيمتها 200 مليار يورو تنتظر الإقرار
ليس هناك أدنى شكّ في أنّ «الأوقات الاستثنائيّة تتطلّب تدابير استثنائيّة» على حدّ تعبير رئيس المفوضيّة الأوروبيّة، خوسيه مانويل باروزو، لأنّ «وظائف مواطنينا ومعيشتهم على المحكّ». وبالفعل فإنّ الأفق الاقتصادي لبلدان الاتحاد الأوروبي الـ27 ليس أكثر إشراقاً من أفق الاقتصادات الغنيّة الأخرى، أو حتّى من التطلّعات في شأن الاقتصاد الكوني. فبعد دخول منطقة اليورو في مرحلة انكماش، حذّرت منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية أوّل من أمس، من أنّ اقتصاد تلك المنطقة سيتقلّص بنسبة 0.6 في المئة خلال العام المقبل، وهذا ما دفع ببلدان القارّة العجوز التي غرقت في السابق إلى تطوير سياسات مواجهة التضخّم، وفي الوقت نفسه مواجهة شبح البطالة، لإقرار خطّة تبلغ قيمتها 200 مليار يورو (256.22 مليار دولار) من أجل «التعافي الاقتصادي» خلال العامين المقبلين.
الخطّة أعلنها باروزو في بروكسل أمس، ويُتوقّع أن تُعرض على قمة أوروبية تعقد الشهر المقبل لإقرارها. وتفترض أنّه بسبب حاجة أوروبا إلى تنسيق غير معهود من أجل تحفيز اقتصادها يجب على بلدان القارّة الالتزام بنمط معيّن من الإنفاق العام، يتأمّن عبر مساهمة تلك البلدان بـ170 مليار يورو من المبلغ الإجمالي، على أن يؤمّن المبلغ الباقي صناديق التمويل الأوروبيّة، و«المصرف الأوروبي للاستثمار». وتمثّل مساهمات البلدان 1.2 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي لاقتصادات الاتحاد.
واللافت هو أنّ البلدان الأوروبيّة فعّلت مسبقاً خططاً للتحفيز الاقتصادي. فبريطانيا أطلقت رزمة إنفاق عام قيمتها حوالى 30 مليار دولار تتضمّن أيضاً محفّزات للمستهلكين، بينها خفض الضريبة على القيمة من 17.5 في المئة إلى 15 في المئة، إضافة إلى زيادة الضريبة على المداخيل المرتفعة من 40 في المئة إلى 45 في المئة. كما أعلنت فرنسا الشهر الماضي، خطّتها الخاصّة القاضية باستخدام 22 مليار يورو لتحفيز الاقتصاد، إضافة إلى إجراءات رديفة بينها إلغاء ضرائب الأعمال على الشركات الأجنبيّة التي تستثمر فيها حتّى عام 2010، إلى جانب إطلاق صندوق استثماري بقيمة 20 مليار يورو من أجل مساعدة الشركات الاستراتيجيّة المتعثّرة كي لا يستولي عليها المنافسون الغرباء.
وفيما تقوم السلطات الإسبانيّة بتنشيط اقتصادها عبر الإنفاق العام من دون تحديد رقم إجمالي لإجراءاتها، من المتوقّع أن تعلن إيطاليا خلال الأيّام القليلة المقبلة خطّتها الخاصّة التي تبلغ 80 مليار يورو، على الرغم من أنّ المعارضة تقول إنّ الأرقام الموجودة فيها تقرّر إنفاقها سابقاً.
أمّا المسألة الحسّاسة في موضوع الخطط الأوروبيّة المنفصلة، فهي الإجراءات التي اتخذتها برلين، والتي تقول المستشارة الألمانيّة، أنجيلا ميركل، إنّها «كافية» وتنتظر إدارتها مفاعيل خطّة الـ32 مليار يورو التي أطلقتها. فبحسب ميركل، التي تدافع في كلّ استحقاق عن «التوجّهات الرقيقة» لإدارتها في مواجهة موجة الكساد، يجب ألّا تتحوّل جهود الإنقاذ الأوروبيّة إلى «سباق لمليارات اليورو»، في إشارة إلى الخطط المحفّزة التي اعتمدتها الدول الأوروبيّة».
وفيما كان باروزو يعلن الخطّة الأوروبيّة، قالت ميركل إنّ حكومتها مستعدّة بالمطلق للاستجابة لمطالب المفوضيّة لكي «نستثمر 1 في المئة من قيمة ناتجنا المحلّي الإجمالي» في الاقتصاد لإنعاشه. ورغم تشديدها على أنّ إدارتها تقوم بالفعل بالمطلوب منها لفتت إلى أنّه «لا يمكننا توقّع كلّ شيء مقبل»، ولذا «نحتاج إلى سياسة معتدلة ومنطق عملي»، وقد يكون في ذلك إشارة إلى إمكان أن تعدّل برلين موقفها المتشدّد في شأن التنسيق الأوروبي، الذي ظهر جلياً خلال اجتماع ميركل مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قبل يومين، والذي رفضت فيه الأولى طرح خطّة أوروبيّة مشتركة للتحفيز.
والهاجس الأكبر الذي يمكن أن تكون المفوضيّة قد ساومت عليه هو موضوع معايير العجز العام في موازنات البلدان الأوروبيّة. فالحدّ الأقصى محدّد بـ3 في المئة. ولكن مع موجة الإنفاق العام المرتقبة، قد يرتفع إلى مستويات أعلى تؤدّي إلى صياغة الأولويّات الاقتصاديّة الأوروبيّة.
وبعيداً عن الخلافات في الرؤية بين برلين وبروكسل، تنصّ خطّة المفوضيّة على تخصيص 5 مليارات يورو على الأقل من التمويل الإضافي لقطاع السيارات الأوروبي المتعثر، لأنّ خطّة التحفيز الأميركيّة لقطاع صناع السيّارات في الولايات المتّحدة، التي تبلغ قيمتها 25 مليار دولار، تضرّ بمبادئ المساواة في التجارة الدوليّة.
(الأخبار)


إصلاحات هيكليّة

تطرح خطّة المفوضيّة الأوروبيّة إدخال إصلاحات هيكليّة على عمل الأسواق من خلال اعتماد سياسات تدعم الطلب عبر خفض التضخّم الصميمي (المستثني لأسعار مواد الطاقة والغذاء). وكذلك تطبيق سياسات لمحاربة البطالة، محورها «مرونة» في أوقات العمل وتحسين الخدمات المقدّمة إلى العاطلين من العمل. وعلى صعيد آخر، تسعى الخطة إلى تسهيل الأعمال من خلال تقليل الوقت الذي تتطلّبه إجراءات إطلاق الأعمال الجديدة. وإضافةً إلى تلك الإصلاحات تتحدّث المفوضيّة عن ضرورة دعم المؤسّسات الصغيرة بقروض ميسّرة.