في 17 من الشهر الماضي، تعهّد المدّعي العام في دبي، بأنّه سيواجه جميع أشكال الفساد «أينما تمّ رصدها في الإمارات العربيّة المتّحدة»، وتغريم المصرف الإستثماري «شعاع كابيتال» بـ950 ألف دولار، أمس، يأتي في سياق تمتين تلك الرقابة القانونيّة على عمل الشركات في السوق الماليّة وخارجها
حسن شقراني
عاقبت سلطة الرقابة على الأسواق الماليّة في دبي المصرف الإستثماري المرموق في البلاد، «SHUAA CAPITAL»، بتهمة التلاعب بالأسهم، وغرّمته بـ950 ألف دولار، ما يعتبر أقسى إجراء ضدّ الممارسات غير القانونيّة منذ إنشاء «مركز دبي المالي العالمي»، قبل أربع سنوات. وقالت سلطة الرقابة في بيان إنّ «شعاع كابيتال تعمدت رفع سعر إغلاق أسهم موانئ دبي في 31 آذار الماضي للتمكن من رفع قيمة سعر السهم في محفظة المالكين لأغراض محاسبية، وذلك بتواجدها في السوق في دقائق الإغلاق الأخيرة وطرح سعر عرض لتلك الأسهم يفوق كثيراً أسعار تداول أسهم موانئ دبي العالميّة الاعتيادية اليوميّة».
الشركة الضخمة، التي عوقبت أيضاً لـ«إعائقة مجرى التحقيقات» خلال 6 أشهر، ردّت على الإجراءات القانونيّة ضدّها بالإعراب عن أسفها للخلل الذي اعترى نظام الرقابة الداخليّة فيها، واصفة الحدث بأنّه منعزل ولا يعكس قيمها الخاصّة في عالم المالي والأعمال. ولكن هذه ليست المرّة الأولى التي توجّه فيها ملاحظات قانونيّة للشركة الإماراتيّة. وفي هذا الصدد تنقل صحيفة «FINANCIAL TIMES»، أنّ تقارير إعلاميّة مصدرها باريس، رَفعت في الآونة الأخيرة الشكوك حول سلوكيّات الشركة في صفقة تبادل أسهم في الكويت. وحينها رفض مسؤولو الشركة الإتهامات المفترضة.
وعلى أي حال فإنّ إجراءات سلطة الرقابة على الأسواق تأتي في ظلّ «انتفاضة قانونيّة» عالميّة على أسواق الأسهم والسندات، بعدما تبيّن أنّ العديد من الممارسات في تلك الأسواق، وخصوصاً التي تقوم بها أموال المضاربة (عمليّات البيع المكشوف: «SHORT SELLING»)، تؤدّي إلى تحقيق الأرباح السريعة من خلال استهداف أسهم شركات معيّنة، وهو الأمر الذي فاقم الخسائر في بورصة «وول ستريت» تحديداً خلال الأسبوع الماضي، ورفع حدّة أزمة الإئتمان العالميّة التي لا تزال الخطّة الأساسيّة لإنقاذ الأسواق من براثنها تنتظر الإقرار في الكونغرس الأميركي.
ولهذا السبب، لجأت سلطات الرقابة الماليّة في أكثر من 12 بلداً، من باكستان وأوستراليا وحتّى كندا، إلى فرض حظر على عمليات البيع بالمكشوف.
وهذا الإجراء يأتي فيما تسعى الإمارات إلى تقويض ممارسات الفساد التي ظهر خلال العام الجاري أنّها مستشرية في شركاتها المرموقة. فقد لفتت التقارير الإعلاميّة في الفترة الأخيرة إلى أنّ مسؤولين تنفيذيّين رفيعي المستوى في الشركتين المملوكتين للدولة، «إستثمار» و«نخيل»، يخضعون لتحقيقات بسبب صفقات ماليّة مشكوك بها. وبالفعل فإنّ الشركة الأولى أقالت نائب مديرها، عادل الشيراوي، والمدير الأوّل لقسمها المالي، فراس كلثوم.
وفي السياق نفسه إنّما في قطاع آخر، تبرز قضيّة وزير الدولة السابق، خليفة بخيت الفلاسي، التي يتّهم فيها من جانب لبنانيّين بأنّه «خرق ميثاق الثقة» إثر وفاة شريكه في الأعمال، ويقول محاميه، حسين الجزيري، حسبما تنقل عنه وكالة «فرانس برس»، إنّها غير قائمة.
وفيما هذا الأخير يستبعد الربط بين قضيّة موكّله وبين الحملة الواسعة على الفساد التي تشنّها السلطات في البلد العربي الغنيّ بالنفط، إلّا أنّ تشديد المدعي العام في مدينة دبي على أنّ محاربة الفساد تعتبر في أولويّات الحكومة، يوضح أنّ الممارسات غير القانونيّة في قطاعات الأعمال المختلفة أصبحت كبيرة لدرجة تتطلّب عندها القسوة في كشف المتورّطين.
ويمكن استشفاف صدى هذا التوجّه في تعليق المدير التنفيذي لـ«مركز دبي المالي العالمي»، دايفيد كنوت، على الإجراءات المتّخذة بحقّ «SHUAA CAPITAL». فهو يقول إنّ سلوكيّات المصرف في التعاطي في التحقيقات، لا تتوافق مع المحدّدات المعياريّة التي تتوقّها مؤسّسته من الشركات الخاضعة الرقابة والمدرجة أسهمها في المركز.
وتلأتي هذه التطوّرات المتعلّقة بقضايا الفساد في الإمارات، متماهية مع النتيجة التي توصّلت إليها منظّمة الشفافيّة الدوليّة التي أصدرت مؤشّرها الثلاثاء الماضي، وقالت فيه إنّ بلدان الخليج العربي تظهر تقدّماً في موضوع مكافحة الفساد في الشركات مقارنة بالعام الماضي.
وهذا التقدّم يمكن رصده في قطر، التي حلّت في المركز الـ28 بين 180 بلداً، وفي سلطة عمان والبحرين. إلّا أنّ الإمارات العربيّة المتّحدة تراجعت مرتبة واحدة إلى المركز الـ35.
إذاً فتمظهرات الفساد واضحة في الإمارات. والخطير هو أنّ استشراءها في أسواقها الماليّة الفتيّة ستكون له مفاعيل قاسية جداً، وهنا تحديداً تبرز أهميّة حملة مكافحة الفساد وتعهّد المدّعي العام في دبي.


نقطة سوداء

يعتبر «شعاع كابيتال» أحد أهم المصارف الإستثماريّة المرموقة في الإمارات والمنطقة العربيّة، ويملك تاريخاً طويلاً في تقديم النصائح للشركات وفي إدارة الأصول الماليّة. وتغريمه يعتبر نقطة سوداء في سجّله، إلّا أنّه لا يمسّ شركة «دبي للموانئ»، التي تعمّد رفع قيمة أسهمها. وكان المصرف أحد أربع مديرين لعمليّة طرح أسهم تلك الشركة للاكتتاب الأوّلي العام الماضي، بقيمة 5 مليارات دولار في مركز دبي المالي، الذي تملك جزءاً منه «NASDAQ» كجزء من عمليّة استحواذ للشركة الأميركيّة، وسيطرة بورصة دبي على مجموعة «OMX».