خلال أربعة أسابيع، انخفض سعر النفط بنسبة 22 في المئة. فبعد قمّة الـ147 دولاراً، أدّى انخفاض الطلب وإعادة الهيكلة التي تشهدها السوق إلى تراجع سعر برميل الذهب الأسود إلى 115 دولاراً. ولكن توقّعات سعر الـ200 دولار لا تزال قائمة. وإذا تحقّقت فإنّ ما نشهده هو استراحة فقط
حسن شقراني
احتفلت كندا أمس، بالعيد الـ150 لحفر أوّل بئر نفطية تجارية في أميركا الشماليّة والعالم، وقد تحوّل موقعها ليحضن أوّل مصفاة نفطيّة وأوّل شركة نفطيّة مسجّلة في العالم. ففي عام 1858، تمكّن جايمس ميلر ويليامز، من استخراج النفط في منطقة «OIL SPRINGS» (ينابيع النفط) وإطلاق الصناعة النفطيّة الحديثة... المنطقة لا تزال تضخّ 70 ألف برميل يومياً تنقل إلى أونتاريو، وهي كميّة، وإن كانت لا تقارن بإنتاج الشركات النفطيّة العملاقة، إلّا أنّها تُعَدّ رمزيّة، وخصوصاً أنّ استخراجها لا يزال يجري عبر الوسائل التقليديّة التي فرضتها تكنولوجيا القرن التاسع عشر.
اللافت في هذا الاحتفال هو أنّه يأتي بعد يومين من تسجيل سعر برميل الوقود الأحفوري في بورصة نيويورك، مستوى منخفضاً عن المستوى القياسي التاريخي، بنسبة 22 في المئة. وإن كانت «التقليديّة» لا تزال تحكم الإنتاج في الصرح الكندي، فتداول النفط في العالم أكثر تعقيداً وحداثة، وغرابة، يدفع المحلّلين إلى توقّع عودة المسار التصاعدي لأسعاره خلال المرحلة المقبلة.
مركز الأبحاث البريطاني، «CHATHAM HOUSE»، لفت في تقرير أصدره الأسبوع الماضي، إلى أنّ سعر برميل النفط قد يرتفع إلى 200 دولار خلال السنوات العشر المقبلة، بسبب نقص المعروض، وانتفاء الاستثمار في آبار جديدة، لزيادة الإنتاج.
وقال التقرير إنّ «العالم سيشهد انخفاضاً خطيراً في عرض النفط خلال الفترة الممتدّة بين السنوات الخمس والعشر المقبلة، إلّا إذا حدث انهيار في الطلب... فنظراً للارتفاعات الأخيرة في الأسعار، يبدو وصول سعر البرميل إلى 200 دولار منطقياً».
هذه النظرة التشاؤميّة، تخالف التحوّل الذي طرأ على توقّعات المحلّلين، الذين يرون حالياً أن سعر البرميل سيتراوح بين 80 دولاراً و110 دولارات، بحلول نهاية العام الجاري. بعدما ذهب بعضهم في السابق إلى تأكيد توقّعات «CHATAM HOUSE»، وتحدّث عن 200 دولار سعراً مستقبلياً للذهب الأسود. ولكن التطوّرات التي دفعت صوب التحوّل في التحليل قد تكون آنيةً لأسباب عديدة.
فالتباطؤ الاقتصادي الذي يشهده العالم يؤدّي تلقائياً إلى انخفاض الطلب على الطاقة، وعلى الوقود تحديداً، وهنا يلعب العامل التقني في السوق دوره: التوازن بين العرض والطلب. ومن جهة أخرى أوضحت البيانات الأميركيّة الأسبوع الماضي أنّ مخزونات النفط في الولايات المتّحدة، التي انخفضت كثيراً خلال الأشهر الـ12 الماضية، عادت إلى التوازن، ما وفّر راحة للاعبين في الأسواق الماليّة.
وأكثر من ذلك، فإنّ مراقبين كثراً، يرون أنّ الانخفاض الحالي في أسعار العقود النفطيّة، ليس مرحلة في مسار تصاعدي سيعيد الأسعار إلى مستويات ما فوق القياسيّة، بل يعبّر عن التوازن الجديد الناتج من تراجع النموّ في الاقتصاديّات المتقدّمة. ويعتمدون في ذلك على أرقام منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تفيد بأنّ بلدان المنظّمة (الصناعيّة جميعها) نمت بنسبة تتجاوز بخجل نسبة الـ3 في المئة خلال عام 2006، إلّا أنّها الآن، تقف على حافّة الركود... ولكن!
ازدياد وتيرة التوتّر بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني، يدفع المراقبين نحو إعادة النظر بالثوابت التي رست على أساسها السوق. فالجمهوريّة الإسلاميّة التي تُعَدّ ثاني منتج في منظّمة الدول المصدّرة للنفط، «أوبك»، تهدّد بإغلاق مضيق هرمز، حيث يمرّ أكثر من 40 في المئة من النفط المصدّر عالمياً، إذا تعرّضت لعدوان أميركي، أو تعرّضت مصالحها للخطر.
وعلى صعيد آخر، فإنّ التراجع في أداء اقتصادات الدول الصناعيّة، ليس حدثاً مستقلاً سيدفع وحده أسعار النفط نحو الاستقرار عند مستويات منخفضة. فالبلدان النامية، وعلى رأسها الصين والهند، تشهد ثورة في الطلب على الطاقة، تماشياً مع فورة النموّ التي تعيشها. وهذه الثورة التي تعبّر عنها نسب نموّ لا تقلّ عن 8 في المئة، ستستمرّ في المستقبل.
إذاً فـ«التوقّعات الحاليّة» المتعلّقة بسعر برميل النفط، تتجاذبها ما تفترضه التحليلات بشأن المعطيات السياسيّة ومدى منطقيّة السعر الذي أقفلت على أساسه بورصة «WALL STREET»، يوم الجمعة الماضي: هل المسألة تتعلّق بفقاعة انتهت مفاعيلها (لكن ليس بطريقة دراماتيكيّة!)، أم أنّ الحكم هو لآليّات العرض والطلب؟
ممكن إلى حدّ ما تحديد طبيعة الأسباب التي دفعت نحو هذا التراجع الأخير في أسعار النفط، ولكن بين من يرى الواقع «استراحة» وبين من يراه «نهاية لمسار»، يبدو أنّه لم يعد للتوقّعات الوقع اللازم.


36.9 مليون برميل يومياً

أعلنت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) أنها قررت الاستثمار في إنتاج النفط من أجل توفير حاجات الأسواق العالمية. وقالت إنّ الإنتاج، من دون حسبان الإنتاج العراقي، سيزداد من 31.7 مليون برميل يومياً في عام 2005 إلى 36.9 مليون برميل يومياً بحلول عام 2010. وأضافت أنّ هذه التطوّرات خطوة من أجل مواجهة ارتفاع أسعار البترول في الأسواق العالمية، بما أنّ العرض والطلب لا يزالان مضبوطين، مشيرةً إلى أنّ العوائق في قطاع التكرير لا تزال تؤدي دوراً في تحديد مسألة النفاذ إلى الموارد الحيوية وسط تزايد الطلب.