غزا اللونان الأزرق والأحمر «واجهات» المواقع الإسرائيلية، ومع أنّ بعضها قارن بين هتلر والزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، عنونت رئيسياتها جميعاً بـ«القمة التاريخية». أمّا رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي سيق اليوم إلى تحقيق جديد في ملفات الفساد ضده، فقد نقلت صحيفة «معاريف» عن موظفي مقره الحكومي قولهم إنه «منذ ساعات الصباح الباكر (قبل بدء التحقيق) يتابع عن كثب القمة المنعقدة بين الرئيسين الأميركي (دونالد ترامب)، والكوري الشمالي في سنغافورة».وباستثناء حزب «المعسكر الصهيوني» لم يدلُ آخرون من المستويات السياسية بتصريحات حول القمة. وقال رئيس الحزب، آفي غباي، إنه «كما الحال في جميع المفاوضات والاتفاقات، فإن الطريق معبدة بخلق الثقة وإيجاد المصالح المشتركة أولاً، حتى عندما يبدو ذلك مستحيلاً. القيادة الشجاعة هي التي تبدأ بمعركة يمكن أن تحدث فرقاً هائلاً... وهو ما حدث بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية... وهو ما يمكن أن يحدث في الشرق الأوسط وأماكن أخرى في العالم».
أمّا النائبة في الكنيست عن الحزب نفسه، شيلي يحموفيتش، فقد كتبت عبر صفحتها على موقع «فايسبوك» أنّ «ترامب حقق إنجازاً كبيراً... لا أصدّق أنني أدوّن هذه الكلمات. صحيح أنه حتى الآن لا يمكن التكهن بما ستؤول إليه الأمور، ولكن هذه لحظة مهمة ومفاجئة في التاريخ». وأضافت أن «عدوّين يكسران جدران حقبة بأكملها. أوباما فعل أقل من ذلك بكثير، وحصل بالتالي على جائزة نوبل. وكما يبدو، فإن إنجاز ترامب والتزام كيم بالنزع الكامل للسلاح النووي، مكّنا من تثبيت عبارة السلام العالمي أكثر من أي وقتٍ مضى... القادة الحقيقيون يُختَبرون في مثل هذه اللحظات التاريخية المستحيلة وغير القابلة للتصديق... آمل أن يحصل ذلك عندنا».
أمّا الوزير بلا حقيبة، تساحي هنغبي، فغرد عبر موقع «تويتر» معتبراً أنه «يوم تاريخي. بذور المصالحة بين كوريا الشمالية وأميركا هي ضربة للمحور الراديكالي بقيادة إيران. ترامب مستمر في إذهالنا... يوم تاريخي للعالم الحر ولإسرائيل».

«نوبل»

أجرت «هآرتس» استطلاعاً للرأي على موقعها، سألت فيه الجمهور الإسرائيلي ما إذا كان ترامب أو كيم يستحقّان «نوبل» السلام، فكانت النسب متساوية بين الاثنين. وعمَّا إذا كان الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، يستحق الجائزة التي حازها عام 2009، بعد أقل من عام على انتخابه، أجابت الغالبية (85%) بأنه «لا يستحق، فهو لم يفعل شيئاً». وسألت ما إذا كان الراحل ياسر عرفات، أم شمعون بيريز، أم الاتحاد الأوروبي، يستحقون الجائزة؟ فصوّتت نسبة 63 في المئة لعرفات، و6 في المئة فقط لبيريز، و29 في المئة قالت إن الاتحاد الأوروبي كان يستحقها.

من جهة أخرى، بعثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بموفد خاص إلى سنغافورة، وقد نقلت أخبار القمة التي وصفتها بـ«التاريخية» أولاً بأول، إلى جانب تصريحات الزعيمين الأميركي، والكوري الشمالي. وعرضت سرداً لوقائع المؤتمر الصحافي الذي عقده ترامب، مركزة على سؤال وجّهته إحدى وسائل الإعلام الموجودة هناك إلى الأخير (كيف يمكن أن تصف طاغية مسؤولاً عن موت العديد من الأبرياء بأنه شخص رائع)، وقد ردّ ترامب «إنني لم أقل إنه رائع. لقد قلت إنه موهوب وذكي، فهو منذ كان في السادسة والعشرين من عمره يحكم بلداً».
وانسحب الاهتمام على مجلة «كالكالستيم» الاقتصادية (التابعة ليديعوت)، حيث عرضت تقريراً مفصلاً عن شكل الاقتصاد الكوري الشمالي مستقبلاً. وقالت إن «المستثمرين بالفعل ينتظرون على الأسوار، ولكن في الوقت نفسه لا يزال اقتصاد كوريا الشمالية الأكثر انغلاقاً في العالم. وحتى لو انفتح على السوق الأميركية، فمن المتوقّع أن تتبنّى بيونغ يانغ النموذج الاقتصادي الصيني».
أمّا في صحيفة «هآرتس»، التي كانت تبث مباشرةً من سنغافورة، فقررت أن تغرد خارج السرب. فهي عدا عن عدم تعويلها على القمة، أفردت تقريراً يسرد وقائع لقمم مماثلة تاريخياً. وقد ركزت على موضوع حقوق الإنسان بصفته لا يشكل أدنى اعتبار في قمم كهذه. ولا يُعرف على ماذا استندت بالتحديد لتشبه ما قالت إنه «معسكرات اعتقال في كوريا الشمالية» بتلك المعسكرات التي كانت في حقبة الاتحاد السوفياتي (الغولاغ ـــ معتقلات سيبيريا). وأضافت أن «موضوع حقوق الإنسان لم يخصص له مكان على طاولة المفاوضات، ولم يجهد مسؤولون في الإدارة الأميركية لإيضاح ذلك. فمعسكرات الاعتقال ليست شأناً يشغل الزعيمين الأميركي والكوري الشمالي في لقائهما. وعلى جدولهما موضوع واحد فحسب هو: مستقبل الترسانة النووية لكوريا الشمالية».
وبالرغم من أن تاريخ أميركا حافل بالسواد، وفيها حتى اليوم معتقل غوانتنامو السيئ السمعة ويمثل «همجية هذا العصر» برأي منظمة العفو الدوليّة نفسها، فإن الصحيفة اعتبرت أن ترامب هو «زعيم العالم الحر» الذي يلتقي بـ«الطاغية والحاكم المطلق لجمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية. وهي دولة تسجّل وضعاً كئيباً جداً لحقوق الإنسان، حيث لم يُعرف حتى الآن كم من مئات الآلاف، وربما الملايين قتلوا في المعسكرات أو ماتوا جوعاً في العقود الأخيرة».
وبالرجوع إلى الماضي، اعتبرت أن ترامب ليس الزعيم الغربي الأول الذي يتجاهل تماماً «يدَي محاوره الملطختين بالدماء»، على أساس أن وزير الخارجية في عهد باراك أوباما، جون كيري، التقى مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف «ذي اليدين الملطختين بالدماء والمسؤول عن انتهاك حقوق الإنسان في الجمهورية الإسلامية»، بحسب الصحيفة التي قالت إن الملف «النووي كان المسألة الجوهرية في حينه (إبان المفاوضات)، أمّا القمع المستمر بحق المواطنين الإيرانيين، فلم يؤثّر على الوجوه المبتسمة ـــ أقله أمام الكاميرات».
وعلى هذه الخلفية، بنت «نظريّتها» حول القمم الحديثة بين القادة. وهم الذين تحوّلوا، من وجهة نظرها، بعد الحرب العالمية الثانية إلى «مجرد أدوات دبلوماسية لمنع الحرب على حساب حقوق البشر». واستشهدت بعدد من الامثلة، بدءاً من غزو ألمانيا للاتحاد السوفياتي (في مثل هذا الشهر قبل 77 سنة) عندما أخبر رئيس الوزراء السابق ونستون تشرشل، سكرتيره الشخصي أنه «إذا غزا هتلر الجحيم، فعلى الأقل سأجد المكان المناسب للشيطان (ستالين) حتى أذكره بمجلس العموم». في وقت لاحق من ذلك اليوم، خاطب تشرشل الشعب البريطاني ببث إذاعي قائلاً إنه: «لم يكن أحد مثلي معارضاً عنيداً للشيوعية في السنوات الخمس والعشرين الماضية. لن أتخلى عن كلمة واحدة قلتها حول هذا الموضوع. ولكن كل هذا يصبح هامشياً بجانب ما يمثل أمام وجوهنا الآن. الماضي مع جرائمه وأخطائه وكوارثه، سيمر من خلال فلاش».

عرضت مجلة «كالكالستيم» تقريراً مفصلاً عن شكل الاقتصاد الكوري الشمالي مستقبلاً(أ ف ب )

وما حصل في تلك المرحلة، بحسب سرد «هآرتس»، هو أنه «قبل أن تبدأ ألمانيا بالحل النهائي والإبادة الجماعية لليهود والشعوب الأخرى، وخصوصاً في المناطق التي احتلها السوفيات، كان تشرشل يعرف جيداً أن يدي جوزف ستالين كانتا ملطختين بالدماء أكثر من أدولف هتلر. بالطبع، ارتكب النازيون العديد من الجرائم، لكن ملايين الجثث كانت قد تكدست قبل ذلك في أوروبا الشرقية. ففي ثلاثينيات القرن العشرين، كان ستالين قد قتل بالفعل الملايين بالتجويع الممنهج والمنتظم لأوكرانيا وباضطهاد الإرهاب العظيم». وتابعت أنه «حتى في تلك المرحلة، عندما كان لا يزال ستالين يرتكب مزيداً من جرائم القتل، لم يكن لدى تشرشل أدنى شك في أن ستالين سيكون حليفه. وقد انعكس هذا التوجه في قوله إن لدينا هدفاً واحداً... نحن مصمّمون على تدمير هتلر وإزالة كل أثر للنظام النازي، لا شيء سيردعنا عن ذلك».
والمثال الذي أوردته جاء، لكي تقول إن «عدد القتلى لم يكن ضمن اعتبارات التحالف مع ستالين». فعلى الرغم من معارضته الحازمة للشيوعية، كان اختيار تشرشل واضحاً، إذ إن هتلر كان يمثل أيديولوجية أكثر خطورة وسواداً. وعليه، عقد تشرتشل بعد ذلك بسنوات خمسة لقاءات قمة مع ستالين (الخامسة في بوتسدام، اضطر إلى الرحيل في منتصفها بسبب الانتخابات البريطانية التي خسر فيها، وخلفه رئيس الوزراء الجديد كليمنت أتلي).
وانتهت بأمثلتها التاريخية إلى ما سمته «الحقيقة المرّة»، والمتمثلة بمعيار النجاح الذي على أساسه سيقاس نجاح قمة ترامب ـــ كيم من عدمه. وقالت إنه «لا يبدو أن منع الحرب واحتواء ترسانة بيونغ يانغ النووية، بل وحتى التقدم نحو نزع السلاح النووي، يبشر بمستقبل أفضل للكوريين الشماليين... لا يُعرف حتى كم بالضبط منهم لا يزالون على قيد الحياة، ربما 22 أو 24 مليون نسمة، لأن حجم المجاعة في التسعينيات لم يكشف عنه أبداً». واعتبرت أن «الشرط الحقيقي ـــ غير المذكور ــ في الاتفاق مع كيم، هو حصانة مطلقة للأخير من أي تدخل خارجي ومحاولة لتغيير النظام. ترامب، مثل أي زعيم غربي من قبله، مصمم على شراء السلام على حساب أبسط حقوق الإنسان».