ثمان من الشركات الأكثر نفوذاً في صناعة التكنولوجيا اجتمعت، الشهر الماضي، مع كبار المسؤولين في الاستخبارات الأميركية ووزارة الأمن الداخلي (DHS) لمناقشة الاستعدادات للانتخابات النصفية الأميركية المرتقبة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، تحسباً من «تكرار سيناريو التدخل الروسي» المزعوم الذي حدث أثناء الحملة الرئاسية لعام 2016. هذا ما كشفه تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، أمس، حول الاجتماع «السرّي»، الذي عُقد في 23 أيار/ مايو الماضي في مقر شركة «فايسبوك» في مدينة مينلو بارك بولاية كاليفورنيا، ضمن مساعي قطاع صناعة التكنولوجيا لتطوير روابط أوثق مع سلطات إنفاذ القانون لمنع إساءة استخدام منصات التواصل الاجتماعي. الاجتماع حضره أيضاً ممثلون من «أمازون» و«آبل» و«غوغل» و«مايكروسوفت» و«أوت» و«سناب» و«تويتر»، وفقاً لما ذكره ثلاثة من الحاضرين الذين تحدثوا إلى الصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويتهم «بسبب طبيعته الحساسة».
وفق تقرير «نيويورك تايمز»، تعمل شركات مثل «فايسبوك» و«تويتر»، وتحديداً منذ فضيحة «كامبريدج أناليتكا»، على تغيير طريقة عملها لمواجهة هذا النوع من نشر الأخبار الخاطئة، تلك التي أضرّت بسمعة المنصّتين الاجتماعيّتين في عام 2016. لكن اجتماع أيار «كان أول مناقشة مهمّة بين مجموعة من شركات التكنولوجيا ومسؤولي الاستخبارات» قبل حلول الانتخابات النصفية، في أولى الخطوات العملية و«الواعدة» لضمان ألا تكون الانتخابات المرتقبة تكراراً لما بات يعرف بـ«التدخل الروسي» قبل عامين.


محاولة لتدارك تكرار سيناريو التدخُّل
في شباط/ فبراير الماضي، أعلن كبار قادة الاستخبارات الأميركية أن «الكرملين يواصل جهوده لتعطيل النظام السياسي الأميركي» وأنه يسعى لاستهداف الانتخابات النصفية المرتقبة، بحسب ما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، التي أفردت بدورها تقريراً موسّعاً حول التهديدات والمخاوف التي تمت مناقشتها خلال الاجتماع. تضيف الصحيفة أن مدير الاستخبارات الوطنية، دان كوتس، حذّر حينذاك من أن النشطاء الروس يخططون لاستخدام الدعاية، والشخصيات الوهمية، وبوتات الانترنت (Internet bots) لتقويض الانتخابات المقبلة.
والمفارقة أن التهديدات المحتملة التي تحدّثت عنها الاستخبارات لم تشكّل دافعاً لوزارة الأمن الداخلي ولا لمكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي)، اللذين شاركا في الاجتماع، لمدّ شركات التكنولوجيا بتفاصيل حول «حملات التضليل» التي كانت تشهدها على منصاتها. وهما لم يستطيعا، كذلك، مشاركة معلومات محددة حول التهديدات التي يجب أن تتوقعها شركات التكنولوجيا. بل اكتفيا في المقابل بعرض تحذيرات حادة بأن روسيا وحكومات أجنبية أخرى بدأت تتدخل بالفعل في حملة الانتخابات النصفية. وبحسب أحد الحاضرين، فإن هذا اللقاء دفع شركات التكنولوجيا إلى الاعتقاد بأنها ستقف وحدها لمواجهة التدخل المحتمل في الانتخابات. آخرون وصفوا لـ«نيويورك تايمز» جواً متوتراً ضغطت فيه شركات التكنولوجيا على المسؤولين الفدراليين مراراً وتكراراً للحصول على معلومات، إلا أن رفض تبادل معلومات استخبارية محددة بقي قاطعاً.
في مقر شركة «كاسبرسكي لاب» الروسية في موسكو (أ ف ب )

تكتّم استخباراتي؟
يواجه «فايسبوك»، على وجه الخصوص، ضغوطاً لوقف «التضليل» قبل الانتخابات. فالعملاق الأزرق تضرّر بشدة من التقارير التي تفيد بأنه سمح لشركات ومنظمات مدعومة من روسيا، إحداها تُسمى «وكالة أبحاث الإنترنت» (مقرها سان بطرسبورغ)، بشراء إعلانات وإدارة صفحات على «فايسبوك» بهدفٍ واحد: التأثير على الناخبين في الولايات المتحدة وإذكاء الصراع على القضايا الساخنة، مثل قضية التحكم في امتلاك الأسلحة النارية.
لكن اللافت في ما بيّنته «واشنطن بوست» هو تصريحات نائب رئيس إدارة المنتجات في «فايسبوك»، غاي روزين، الذي أكد أن الشبكة الاجتماعية لم تجد بعد دليلاً على التدخل المزعوم من قِبل «وكالة أبحاث الإنترنت»، أو أن المنظمة وظّفت عشرات المتصيدين عبر الإنترنت للتلاعب بوسائل التواصل الاجتماعي في عام 2016. غاي نفى، كذلك، العثور على دليل بشأن تدخل منظمات أخرى مثل مديرية الاستخبارات الرئيسية GRU، وهي وكالة تجسس عسكرية روسية، قائلاً: «نحن نبحث باستمرار عن المزيد من النشاط. لكننا نفشل في الكثير من التحقيقات».
لذا، فإن إعلان غاي عدم التوصل إلى دلائل ملموسة تفنّد استخدام المنظمات الروسية لمنصة التواصل الاجتماعي كأداة للتأثير في الرأي العام، وتعارض هذا الإعلان مع نتائج تحقيقات وزارة الأمن والاستخبارات الأميركية، تلك التي اتهمت «فايسبوك»، ومنصات أخرى، بعدم الاستعداد لمنع التدخل وبضعف الحساسية السياسية، يبدو أنها محاولة من الشركة لتدارك إمكانية تعرضها لمساءلة جديدة، خصوصاً بعد فضيحة «كامبريدج أناليتكا».
وعليه، فإن تخوّف «فايسبوك» من أي مساءلة قانونية لاحقة، وسط عدم قدرتها على تحجيم حدود أي تدخل محتمل، يبدو أنه دفعها للمطالبة خلال الاجتماع بتعاون جدي بين شركات التكنولوجيا وجِهات إنفاذ القانون لمواجه احتمالات التلاعب. على اعتبار أن عدم التعاون بين «فايسبوك» والجهات المنوطة بتطبيق القانون خلال الانتخابات الماضية، أضاع فُرَص مواجهة التلاعب.