حملةُ اتهاماتٍ جديدة ضدّ روسيا أطلقتها قوى غربية، من أستراليا وكندا وبريطانيا وهولندا، في إطار ما قالت إنه «أكبر مخططات القرصنة الإلكترونية في السنوات الأخيرة»، أبرزها اتهام هولندي مباشر لروسيا بهجومٍ إلكتروني كان يستهدف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في نيسان/أبريل الماضي. الردّ الروسي حتى الآن جاء مختصراً، مع اتهام موسكو الغربيين اليوم بأنهم يعانون من «هوس التجسّس».
بماذا اتهمت هولندا روسيا؟
بعد إعلانها إحباط «هجوم إلكتروني» روسيّ «كان يستهدف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي»، تكون هولندا قد انضمت إلى القوى الغربية التي باتت تتحدّث بشدّة عن دور تجسّسي روسيّ داخل بلدانها في الآونة الأخيرة. ورداً على هذا الهجوم المفترض، طردت هولندا أربعة قالت إنهم «عملاء روس» من البلاد في نيسان/أبريل الماضي. تحدّثت هولندا عن أن الاستخبارات الهولندية والبريطانية كانت تتعقّب «4 روس تركوا عدة أدلّة، من بينها جهاز كمبيوتر محمول، وفاتورة سيارة أجرة من مقر الاستخبارات العسكرية الروسية إلى مطار موسكو». في مؤشر على توسع نشاط الشبكة، فإن جهاز الكمبيوتر كان مرتبطاً بالبرازيل وسويسرا وماليزيا مع أنشطة في ماليزيا لها علاقة بالتحقيق في إسقاط الطائرة التي كانت تقوم بالرحلة «أم ـــ إتش17» فوق أوكرانيا عام 2014، كما زعمت هولندا.
تزامن الهجوم المفترض مع تحقيق المنظمة في استخدام غاز أعصاب لتسميم الجاسوس السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في سالزيري في بريطانيا، لكنّ مسؤولين هولنديين قالوا إنه لم يتضح ما إذا كانت عملية القرصنة مرتبطة بذلك.
بدورها، أصدرت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بياناً قالت فيه إنها تعرضت «لأنشطة قرصنة معلوماتية متزايدة» منذ مطلع العام وذكرت من مقرها في لاهاي أنها «تأخذ على محمل الجد أمن أنظمة وشبكات معلوماتها»، مضيفةً أنه «منذ مطلع 2018 لاحظت المنظمة زيادة النشاطات المتعلقة بالقرصنة المعلوماتية».

ما هي الاتهامات الغربية الأخرى؟
جاء الاتهام الهولندي بعد ساعات من تحميل كل من بريطانيا وأستراليا جهاز الاستخبارات العسكرية الروسي المسؤولية عن عدد من أكبر مخططات القرصنة في السنوات الأخيرة، بما فيها قرصنة اللجنة الوطنية للحزب الديموقراطي الأميركي خلال الانتخابات الرئاسية عام 2016، والهيئة العالمية لمكافحة استخدام المنشطات في الرياضة.
كانت آلاف من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالحزب قد نشرت عبر موقع «ويكيليكس»، وهو ما يقول أنصار المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون إنه أدى إلى فوز ترامب بالانتخابات، علماً بأنه يجري التحقيق من قبل المحقق الخاص روبرت مولر في ما إذا كان نشر هذه الوثائق تم بالتنسيق مع حملة ترامب. واتّهم وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، اليوم، أجهزة الاستخبارات العسكرية الروسية بـ«شنّ هجمات إلكترونية ضدّ مؤسسات سياسية ورياضية وشركات ووسائل إعلام من حول العالم». قال هانت، في بيان، إنّ «هذا النوع من السلوك يُظهر رغبتهم (الروس) في أن يعملوا من دون أي اعتبار للقانون الدولي أو القواعد المعمول بها، وأن يتصرّفوا مع شعور بالإفلات من العقاب ومن دون النظر إلى العواقب». وأضاف: «رسالتنا واضحة. بالتعاون مع حلفائنا، سنكشف ونردّ على محاولات أجهزة الاستخبارات العسكرية الروسية لتقويض الاستقرار الدولي».

ماذا استهدفت عمليات القرصنة المفترضة؟
وفقاً لوزارة الخارجية البريطانية، استطاع المركز الوطني البريطاني للأمن السيبراني أن يُحدّد أنّ أجهزة الاستخبارات العسكرية الروسية تقف وراء العديد من الهجمات التي ارتُكبت في كل أنحاء العالم، من جانب مهاجمين إلكترونيين معروفين. وأشارت إلى أنّ هذه الهجمات الإلكترونية التي شُنّت بشكل «عشوائي وغير قانوني»، قد «أثّرت على مواطنين في العديد من الدول، بما في ذلك روسيا، وكلّفت الاقتصادات الوطنية» الملايين من الأموال. وقال مصدر في الحكومة البريطانية، إنّ أجهزة الاستخبارات العسكرية الروسية ترتبط بمجموعات قرصنة معروفة، وغالباً ما تُقَدَّم على أنها مقرّبة من السلطات الروسيّة، بينها: «فانسي بير»، «ساندوورم»، «سترونتيوم»، «آي بي تي 28»، «سايبر كاليفيت»، «سوفايسي» و«بلاك إينرجي آكتورز». وأضاف المصدر أنه «نظراً إلى المستوى العالي من الثقة إزاء هذا (التقييم)، تعتقد الحكومة البريطانية أنّ الحكومة الروسية تتحمل المسؤولية».
تضمنت الهجمات الروسية الأخرى هجمات إلكترونية ضدّ مؤسّسات سياسية ورياضية وشركات ووسائل إعلام من حول العالم. وقالت مصادر بريطانية إن روسيا كانت أيضاً وراء هجمات «باد رابيت» التي طاولت مطار أوديسا في أوكرانيا ومترو كييف في تشرين الأول/أكتوبر الفائت. طاول هذا الهجوم أيضاً وكالة أنباء «إنترفاكس» وموقع أخبار «فونتانكا». أضافت المصادر أن الهجوم الثالث نتج عنه الكشف عن الملفات الطبية لنجوم رياضيين مشهورين في عام 2017، بما في ذلك بطلتا التنس سيرينا وفينوس ويليامز، والدرّاج البريطاني الفائز كريس فروم، المتوّج 4 مرات ببطولة دورة فرنسا الدولية للدراجات. وتشمل هذه الموجة الثالثة من الهجمات أيضاً تسريبات وثائق سرّية ناتجة عن اختراق قاعدة بيانات الوكالة العالميّة لمكافحة المنشّطات في سويسرا. الهجوم الرابع استهدف حسابات متعددة لمحطة تلفزيونية صغيرة مقرها بريطانيا.

كيف علّقت واشنطن والاتحاد الأوروبي على الاتهامات؟
وزير الدفاع الاميركي جيم ماتيس أعلن أن الولايات المتحدة قررت أن تضع في تصرف «حلف شمال الأطلسي» قدراتها في مجال التصدي للقرصنة المعلوماتية لمساعدته في مواجهة هذه الهجمات الصادرة من روسيا، بشكل أفضل.
في موازاة ذلك، تحرّك القضاء الأميركي ليوجّه اتهامات إلى سبعة عناصر في الاستخبارات العسكرية الروسية في الهجمات الإلكترونية التي نسبت إلى الكرملين. وفق مساعد وزير العدل للأمن القومي، جون ديمرز، فإن هذه الاتهامات تشمل خصوصاً أربعة عملاء روس طردتهم هولندا اليوم، بعدما اتهمتهم بـ«محاولة قرصنة مقر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي».
ويلاحق العناصر السبعة في الولايات المتحدة بتهمة «قرصنة هيئات رياضية دولية، بينها وكالة مكافحة المنشطات العالمية ومجموعة «وستنغهاوس» الأميركية التي تزوّد المفاعلات الأوكرانية وقوداً نووياً، وهم ملاحقون أيضاً بتهمة تبييض الأموال واستخدام نقود وهمية والاحتيال المصرفي وسرقة هويات». ثلاثة من الروس السبعة الملاحقين هم ضمن 12 مسؤولاً اتهمهم المحقق الخاص روبرت مولر في تموز/يوليو الفائت بالتدخل في الانتخابات الأميركية.
بدوره، ندّد الاتحاد الأوروبي «بعمل عدائي» ارتكبته الاستخبارات العسكرية الروسية، إذ قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك ورئيس المفوضية جان كلود يونكر ووزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني، في بيان مشترك، إن «هذا العمل العدائي يدل على ازدراء بالهدف السامي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية». وأضافوا: «نأسف لمثل هذه الأعمال التي تمسّ القانون الدولي والمؤسسات الدولية».

كيف ردّت روسيا؟
في إشارة الى التصريحات البريطانية والأسترالية، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا، اليوم، إن المزاعم تم خلطها معاً «بشكل عشوائي». وصرّحت للصحافيين بالقول: «يا له من خليط عَطِر»، في إشارة ساخرة إلى مزاعم بأن غاز نوفيتشوك الذي أدى إلى تسمم سكريبال وابنته «كان موضوعاً في زجاجة عطر». بدوره، قال مندوب وزارة الخارجية الروسية لوكالة «فرانس برس» إن «هوس التجسّس لدى الغربيين يزداد قوةً».