طهران | لن يؤدي خفض طهران تعهداتها في الاتفاق النووي، حالياً على الأقل، إلى مزيد من التصعيد، بل ستتمخض عنه محاولات دبلوماسية لتسوية الخلافات. الجهود الأوروبية الأخيرة، ولا سيما الفرنسية، لعقد جولة جديدة من المحادثات بين إيران والدول الموقّعة على الاتفاق، بما فيها الولايات المتحدة، والتي أثيرت خلال المحادثات الهاتفية التي جرت الأسبوع الماضي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونظيره الإيراني حسن روحاني، يمكن أن تكون مؤشراً على ذلك. وفق البيان الصادر عن الإليزيه، اتفق روحاني وماكرون على مهلة زمنية حتى 15 تموز الجاري «لدراسة ظروف استئناف المحادثات»، التي بدا أن إيران تلمّح إلى جاهزيتها للدخول فيها والحدّ من التصعيد. قال روحاني في محادثته مع ماكرون إن رفع جميع العقوبات يمكن أن يشكل مدخلاً لبدء محادثات بين إيران و«1+5»، ما يعني وجود واشنطن على طاولة المفاوضات، وفي ذلك جواب صريح على العملية الفرنسية لاستطلاع الموقف الإيراني.يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «الشهيد بهشتي» في طهران، حميد رضا عزيزي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «أوروبا لن تجاري أميركا في ظلّ الظروف الحالية على أقل تقدير، بل إن جهودها ستنصبّ على إيجاد تسوية دبلوماسية للموضوع. والمؤشرات على ذلك تتمثل في عدم استخدام أوروبا آلية الزناد (العودة إلى العقوبات بعد نقض التعهدات) من جهة، والتأكيد الفرنسي على إجراء حوار جديد مع إيران من جهة أخرى». ويضيف عزيزي إن إيران بدورها «أتاحت المجال بالكامل للدبلوماسية من خلال إعلانها أنه إن رفعت أميركا العقوبات النفطية والمصرفية، فإن ذلك يمثل جزءاً من المحادثات. وبناءً عليه، وبما أن أوروبا تعرف أن إيران لا تهدف في الظروف الحالية إلى تطوير برنامجها النووي، بل تسعى إلى ممارسة الضغوط لتحقيق مصالحها، لذا سيركّز الأوروبيون على العمل الدبلوماسي». وعن وجود فرصة للجهود الفرنسية الأخيرة، يقول عزيزي إن «الجانب الأوروبي لمس جدية إيران في تنفيذ تحذيراتها، ومن هنا تتزايد احتمالات تكثيف الجهود الأوروبية لتلبية مطالب طهران».

سيناريو التصعيد
الخطوتان الإيرانيتان الأخيرتان جاءتا بعدما أخفقت الدول الأوروبية في اتخاذ خطوة مفيدة ومؤثرة لتعويض الانسحاب الأميركي من الاتفاق. حتى إن اعتماد آلية التبادل المالي (إنستكس) لم يرض إيران. الأخيرة، وفي ظلّ خفضها التدريجي لتعهداتها، تريد ممارسة الضغط على أوروبا، عسى أن تتخذ الأخيرة إجراءً مؤثراً يعوّض العقوبات الأميركية. لكنّ ثمة شكوكاً كثيرة في مقدرة أوروبا على تلبية المطالب الإيرانية. لذلك، يتوقع البعض أن تتخذ إيران بعد انقضاء 60 يوماً أخرى «الخطوة الثالثة» في خفض التزاماتها، الأمر الذي سيعمق هوة الخلافات، ويبعث على الاعتقاد بأن سيناريو التصعيد له مبرراته أيضاً.
يقول رضا حجت شمامي، خبير الشؤون الدولية وعضو «معهد دراسات التاريخ المعاصر»، لـ«الأخبار»: «بما أن أوروبا غير قادرة على تلبية الكثير من المطالب الإيرانية، بما في ذلك ضمان بيع النفط وتسلم عوائده، فإنه تتزايد احتمالات أن يتضرر الاتفاق النووي أكثر، وأن تتخذ إيران الخطوات اللاحقة». وإن اتخذت طهران هذه الخطوات، فإن واشنطن «ستردّ، وستعتمد سياسة الضغط مقابل الضغط. و كلما ازدادت الضغوط الأميركية، فإن إيران ستتخذ خطوات أشد في إطار نشاطاتها النووية»، وفق شمامي الذي يذهب إلى القول إن أوروبا تسعى في الأمد المنظور إلى اعتماد «سياسة متعددة الطبقات، بما يشمل طمأنة إيران في سبيل العودة إلى الالتزامات وحماية الاتفاق، والتهديد بفرض عقوبات وحتى فرض بعض العقوبات، والدخول بالتزامن في حوار مع أميركا لتقليص الضغط على إيران لكي لا تتصرف بطريقة ردة الفعل». أوروبا لا تريد أن تخسر الورقة الرابحة هذه، أي الاتفاق النووي، لكن في ظل هكذا سيناريو، تبرز أمام الأوروبيين معضلة تتمثل في أن الكرة ستنتقل إلى الملعبين الإيراني والأميركي. وبالتالي، ستواكب أوروبا واشنطن بشكل أكبر إن اتخذت طهران الخطوات اللاحقة، وصولاً إلى أن تنقل الملف إلى مجلس الأمن الدولي لإعادة العقوبات.
سياسات الدول الأوروبية تجاه إيران تختلف إحداها عن الأخرى


وتبرز هنا معضلة أخرى، هي أن سياسات الدول الأوروبية تجاه إيران تختلف إحداها عن الأخرى. إذ يلفت شمامي إلى أن «بريطانيا، وفي ظل التطورات الأخيرة وظروفها المتمثلة في الخروج من الاتحاد الأوروبي وكذلك حاجتها إلى الولايات المتحدة، ستواكب الأخيرة أكثر. أما فرنسا، وفي إجراء استعراضي فستقْدم بصورة منفردة على ممارسة الضغط على إيران، لكن ليس بقدر بريطانيا، كما أن ألمانيا ستسعى، وفقاً لتقليدها الذي اعتمدته خلال السنوات الأخيرة، إلى العمل الدبلوماسي». وفق هذا السيناريو، جهود ماكرون للجلوس إلى طاولة المحادثات لن تعطي نتائج أفضل مما توصل إليه وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، إلا إن حدث تراجع أميركي. وكل ذلك يقود إلى القول إن إنقاذ الاتفاق النووي ليس بيد إيران ولا أوروبا، بل بيد الولايات المتحدة.

الموقف الإيراني
في طهران، يبدو أصحاب القرار على جاهزية للتحولات كافة. يكشف مصدر دبلوماسي إيراني مطلع، طلب عدم كشف اسمه، لـ«الأخبار»، أن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أجرى تقييماً لجميع السيناريوات المحتملة بعد خفض الالتزامات المتعلقة بالاتفاق النووي، وباتت لديه «خطة جاهزة لكل سيناريو، حتى إذا ما كان الأميركيون يريدون القيام بعمل عسكري، فإن لدينا خطة محددة ودقيقة للتصرف». ويذكّر المصدر بأن إيران وضعت نهاية لاستراتيجية «الصبر الاستراتيجي» التي اعتمدتها بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، ومن نتائج ذلك أنه «إن لم تلتزم الأطراف الأخرى بتعهداتها الواردة في الاتفاق، فإن إيران ماضية في تخفيض التزاماتها، ولا تجامل أحداً في هذا الخصوص». أما بخصوص الخطوات التصعيدية المتوقعة، فيفيد المصدر بأن الانسحاب من معاهدة «حظر الانتشار النووي» (إن بي تي) يُعدّ واحداً من بين الخيارات التي ستأخذ بها إيران «إن اقتضت الضرورة ذلك».