كما كان متوقعاً، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الفشل في تشكيل ائتلاف حكومي جديد، فاسحاً المجال أمام تكليف رئيس حزب «أزرق أبيض»، بني غانتس، الذي يُرجّح أن يفشل هو الآخر في تأليف الحكومة، ليتمّ ربما، مجدداً، التوجه إلى انتخابات مبكرة، للمرة الثالثة على التوالي. ولم يطلب نتنياهو، الذي جاء إعلانه قبل يومين من انتهاء المهلة القانونية الممنوحة له، مهلة إضافية من الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين. وإذ حمّل غانتس مسؤولية فشله، قائلاً في مقطع مصوّر بُثّ على حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي إنه منذ أن تلقى التفويض عمل بجهد كبير، سراً وعلانية، لإقامة حكومة وحدة وطنية موسعة، كانت ستضمّ حزبه وحلفاءه من اليمين والمتدينين والحزب المنافس «أزرق أبيض»، «إلا أن غانتس أحبط كل هذه المحاولات»، فهو عاد وشدّد على أن حكومة كهذه هي التي يطلبها الإسرائيليون نظراً إلى «التحدّيات الأمنية المتنامية التي تواجهها إسرائيل». من جانبه، أعلن ريفلين أنه سيجري مشاورات مع الأحزاب السياسية المختلفة، لإبلاغها عزمه على تكليف بني غانتس تشكيل الحكومة الجديدة. وبحسب مصادر في مكتب ريفلين، من المتوقع أن يصدر التكليف اليوم الثلاثاء، لمدة قانونية هي 28 يوماً.حزب «أزرق أبيض» رحّب بـ«الفشل الجديد» لنتنياهو، لافتاً إلى أن جهد رئيس الحزب سيتركّز على تشكيل حكومة ليبرالية جامعة برئاسته. هدفٌ لا يبدو أن غانتس سينجح فيه ما لم تحدث مفاجآت. لا يعني ذلك التوجه تلقائياً نحو انتخابات مبكرة ثالثة، إذ يجب أن يسبق هذا إجراءٌ قانوني يتمثل في تحويل الرئيس الإسرائيلي التفويض إلى «الكنيست» بعد إعلان غانتس فشله، لتتاح الفرصة أمام أيّ عضو من أعضاء «الكنيست»، خلال مدة 21 يوماً، للحصول على دعم 61 من زملائه لتشكيل الحكومة. وإذا لم ينجح أحد في الاستحصال على تلك الأصوات، تتقرّر الانتخابات الثالثة تلقائياً. لكن ما أسباب الفشل المُقدّر لغانتس؟
تتواصل الأزمة الداخلية الإسرائيلية بلا أفق حلّ متاح ضمن الظرف الحالي


تتجمّع جملة أسباب تمنع رئيس حزب «أزرق أبيض» من تشكيل ائتلاف حكومي من 61 عضواً، من بينها ما يرتبط بحزبه هو، وأخرى ترتبط بكتلته الوسطية - اليسارية، وأيضاً موقف الكتلة اليمينية التي يُرجّح أن تبقى متراصة خلف نتنياهو، على رغم الإعلان عن فشل الأخير في تشكيل الحكومة. ويقود غانتس كتلة مؤلفة من 54 عضواً من الوسط واليسار وأحزاب فلسطينيي الـ48، وهي على الشكل الآتي: «أزرق أبيض» 33 عضواً، «العمل - غيشر» 6 أعضاء، «المعسكر الديمقراطي» 5 أعضاء، «القائمة العربية المشتركة» 13 عضواً، أعلن عشرة منهم تسمية غانتس. هذه الكتلة، مع احتساب الأعضاء العرب، يصل عدادها إلى 57، أي إنه ينقصها أربعة أصوات لتأمين الثقة في «الكنيست»، فضلاً عن أن غانتس نفسه، ومكوّنات من حزبه، وكذلك من شركائه في كتلة الوسط - اليسار، يرفضون «عار» المشاركة في حكومة تستند إلى أعضاء «كنيست» من الفلسطينيين.
وحتى مع تجاوز هذا المانع، لا تحوز الكتلة 61 عضواً، ما يفرض التوجه إلى حزب «إسرائيل بيتنا» بقيادة أفيغدور ليبرمان (7 أعضاء)، الذي يرفض بشكل مطلق ائتلافاً مع «القائمة العربية المشتركة»، التي يستحيل من دونها استحصال غانتس على الأغلبية المطلوبة. أما فرضية حكومة وحدة مع «الليكود»، فهي تعيد مركّبات المشهد السابق، والتي أدت إلى فشل نتنياهو، إلى الضوء من جديد، وفي أساسها: إمساك نتنياهو بحزب «الليكود» على رغم وجود معارضة داخلية يتعذر عليها إعلان اعتراضها حتى الآن، والتزامه تجاه الأحزاب الدينية التي يرفض التخلي عنها، فضلاً عن أنه لا يرضى بأيّ تسوية لا تقوم على تناوب على رئاسة الحكومة، على أن يكون هو أولاً، بما يؤمّن له الانفلات من الملاحقة القضائية عامين متواصلين.
تتواصل الأزمة الداخلية الإسرائيلية بلا أفق حلّ متاح ضمن الظرف الحالي وفي ضوء توزع القوى السياسية وتموضعاتها، والتي بات يتداخل فيها العام مع الخاص، والمصلحة الجامعة مع المصلحة الفردية، وهي جزء من أزمة أكبر لا تقتصر فقط على نتيجة انتخابات جاءت متقاربة بين المعسكرات، بل على أسس ترتبط بانقسام المجتمع الإسرائيلي نفسه ما بين «بلوكات» باتت واسعة. اتساعٌ لا يبقي لـ«البلوك الأكبر»، العلماني، مرونة كبيرة، خاصة في ظلّ الانقسام في داخله على أسس مصالح شخصية، كما هو الآن بين مؤيد لنتنياهو ومعارض له، والذي يُرجّح استمراره في الانتخابات الثالثة المبكرة في حال وقوعها.