تجد إدارة دونالد ترامب صعوبةً في تسويق روايتها في شأن الأسباب التي دفعت بها للركون إلى خيار اغتيال الجنرال قاسم سليماني، برفقة أبو مهدي المهندس. الضربة «الدفاعية» أو الخطوة «الاستباقية» للقضاء على «تهديد وشيك» ــــ كما سمّتها الإدارة ــــ، وسط غياب أيّ رواية متماسكة لتبرير قرار تغيير قواعد الاشتباك مع إيران، وضعت أميركا أمام احتمال المواجهة مع إيران. مواجهةٌ لا تبدو الإدارة الحالية، على رغم رفع سقوف تهديداتها، جاهزة لخوضها، وخصوصاً وسط معركة ترامب لتجديد ولايته الرئاسية.في الأيام القليلة التي سبقت استشهاد سليماني، وضع كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين خيار اغتيال الجنرال ضمن قائمة خيارات قدّموها إلى الرئيس، رداً على ما وُصف بـ«العنف الإيراني الأخير في العراق»، ظناً منهم بأن ترامب لن يركن إلى الخيار «الأكثر تطرفاً». تقول رواية «نيويورك تايمز» إن قرار ترامب اغتيال سليماني فاجأ كبار المسؤولين في «البنتاغون»، وخصوصاً بعد رفضه المُقترح نفسه في 28 كانون الأول/ ديسمبر، وقراره استهداف مقارّ «الحشد الشعبي» عند الحدود العراقية السورية، وفقاً لمسؤولين أميركيين تحدّثوا إلى الصحيفة. بحلول يوم الخميس، كان ترامب قد قرر السير في أحد اقتراحات وزارة الدفاع، بعدما شاهد تقارير إخبارية لمحتجّين يهاجمون سفارة واشنطن في بغداد. الواضح أن «البنتاغون» الذي طرح الفكرة أولاً، لم يجهد في إقناع ترامب بعدم الذهاب في اتجاه سيناريو غير محسوب المخاطر، أو تحذيره من مآلات خطوة كهذه. وفق مسؤول أميركي، فإن قرار ترامب، وقبله وزارة الدفاع، جاء على رغم خلافات في الإدارة في شأن أهمية معلومات استخبارية جديدة حذّرت من تهديدات للسفارات والقنصليات والجنود الأميركيين في سوريا والعراق ولبنان، وخصوصاً بعدما أتمّ سليماني جولة في تلك الدول. وفيما تبنّى مسؤولون رواية «الهجوم الوشيك»، شكّك مسؤولون استخباريون آخرون في جديّة هذه المعلومات. وكشف أحد هؤلاء أن لدى واشنطن معلومات تشير إلى أن سليماني طلب موافقة المرشد الأعلى على العملية، لكن خامنئي طلب منه قبل أسبوع الحضور إلى طهران لإجراء مزيد من المناقشات، ما ينزع حجة «الخطر الوشيك» التي ساقتها الإدارة لتنفيذ عدوانها من دون العودة إلى الكونغرس.
لا تزال حسابات الإدارة غير واضحة، إن كان لجهة التوقيت أو لجهة اختيار الهدف، وخصوصاً أن الإدارتين السابقتين تجنّبتا مساراً كالذي أخذه ترامب، خشية أن يتسبّب بحربٍ جديدة في منطقة ينتشر فيها آلاف الجنود الأميركيين. في هذا السياق، تقول النائبة الديموقراطية، إليسا سلوتكين، التي عملت في «البنتاغون» في عهدَي جورج دبليو بوش وباراك أوباما، إن هذين الرئيسين تساءلا عن جدوى اغتيال سليماني. «سؤال واحد منع رئيسين أميركيين، أحدهما ديموقراطي والآخر جمهوري من تصفية سليماني»، وهو «هل تستحق غارة جوية عمليات الردّ عليها واحتمال زجّنا في نزاع؟». «خلصت الإدارتان اللتان عملتُ لحسابهما إلى أن الغاية لا تبرر الوسيلة. لكن إدارة ترامب قامت بحسابات أخرى»، تضيف.
لكن الرواية الرسمية وجدت من يسوقها نيابةً عن الرئيس؛ وزير الخارجية مايك بومبيو، ونائب الرئيس مايك بنس، كانا من الأصوات التي دفعت بسياسة أكثر تشدّداً إزاء إيران. بنس، ذهب بعيداً في اتهام سليماني الذي «ساعد عشرة من الإرهابيين الاثني عشر الذين نفّذوا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر في الولايات المتحدة على العبور سراً إلى أفغانستان»، كما أشار إلى أن الجنرال «نظّم محاولة اغتيال» السفير السعودي السابق في واشنطن عادل الجبير عام 2011. دفع ذلك بصحيفتي «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» إلى انتقاد مواقف نائب الرئيس، إذ شدّدت الأولى على أن اسم سليماني لم يَرِد على الإطلاق في التقرير الذي أصدرته لجنة التحقيق في هجمات 11 أيلول، والواقع في 585 صفحة. بالنسبة إلى بومبيو الذي سارع ليعلّل الضربة كونها جاءت لـ«تفادي عملية وشيكة» خطّط لها سليماني، فهو لم يهدأ، منذ الجمعة، متنقلاً بين قناة تلفزيونية وأخرى للدفاع عن خيار رئيسه. في حديث إلى قناة «إيه بي سي»، قال إن معلومات الاستخبارات أوضحت أن التقاعس عن التحرك ضدّ سليماني كان سيمثل تهديداً أكبر. وأشار إلى أن أي عمل عسكري أميركي مقبل ضدّ إيران سيكون ضمن «إطار القانون الدولي»، وذلك بعد تهديد ترامب بضرب «مواقع ثقافية إيرانية مهمة»، وضعها على لائحة من 52 هدفاً للولايات المتحدة (يُمثّل عدد الأميركيّين الذين احتُجزوا رهائن في السفارة الأميركية في طهران أواخر عام 1979)، في حال ردّ الإيرانيون. وفي مقابلة لشبكة «فوكس نيوز» يوم أمس، قال إنّه يرى «احتمالات حقيقية» ستؤدي إلى «ارتكاب» إيران «خطأ، واتخاذ قرار استهداف بعض قواتنا، قوات عسكرية في العراق أو جنود في شمال شرق سوريا». وعزا قرار البرلمان العراقي طرد القوات الأجنبية من البلاد، إلى «تهديدات هائلة» يواجهها رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، من جانب القادة الإيرانيين، معرباً عن اقتناعه بأنّ «العراقيين يريدون أن تبقى الولايات المتحدة هناك لقيادة الحرب ضد الإرهاب».
قرّر «التحالف الدولي» تعليق عمليات تدريب القوات العراقية والعمليات القتالية ضدّ «داعش»


وفي ما يبدو أنه سيشكّل اضطرابات إضافية في العلاقة بين البيت الأبيض والكونغرس، أشارت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية، نانسي بيلوسي، إلى أن الإخطار السرّي الذي تمّ تسليمه إلى الكونغرس، بموجب قانون صلاحيات الحرب الصادر في عام 1973 (يلزم الإدارة بإخطار الكونغرس خلال 48 ساعة من تكليف القوات المسلحة بعمل عسكري أو القيام بتحركات وشيكة)، يثير أسئلة أكثر من تقديمه أجوبة. وفي بيانها، جدّدت بيلوسي دعوتها الإدارة إلى تقديم إيجاز شامل وفوري لجميع أعضاء الكونغرس بغرفَتيه في شأن أيّ عمل عسكري متعلّق بإيران وأيّ خطوات مستقبلية قيد الدراسة.
ووسط الخشية من أيّ ردّ فعل محتمل، أعلن «حلف شمالي الأطلسي»، أول من أمس، تعليق مهمات التدريب التي يقوم بها في العراق، وكذلك فَعَل «التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة بإعلانه أمس أنه سيعلّق عمليات تدريب القوات العراقية والعمليات القتالية ضدّ «داعش»، بسبب «التزام حماية القواعد العراقية التي تستضيف قوات التحالف». لكن واشنطن، على رغم كلّ ما تقدم، أعلنت نشر ما بين 3 آلاف عنصر و3,500 إضافيين في المنطقة.