لا يجب الخلط بين تردّي العلاقة الشخصية بين نتنياهو وبايدن، وسحبها على العلاقات بين تل أبيب وواشنطن
أما في البعد الداخلي الأميركي، فيظهر اللقاء في زمانه ومكانه ومضمون ما يتسرّب منه أميركياً، أنه جاء بعد دراسة إمكان تأثير رفضه لفترة طويلة جداً على الساحة الداخلية في الولايات المتحدة، خصوصاً أن تأخيراً مثل هذا قد يكون له تأثيره على أمن الدولة العبرية، والذي يُعد في واشنطن، لدى الحزبين، خطاً أحمر يتعذّر تجاوزه. وبالطبع، لن يؤثر اللقاء على فرص بايدن في تجديد ولايته، كما لن يؤثر في أصوات الناخبين اليهود، إذ إن تأييد بايدن أو أي مرشح «ديموقراطي»، يصل إلى أكثر من 75% في أوساط أولئك الناخبين، مع تأييد مماثل في القطاعَين الاقتصادي والإعلامي. لكن في حال كان بايدن رفض لقاء نتنياهو، ولو في الأمم المتحدة، فذلك يُعدّ ضغطاً زائداً عن حدّه، وقد يؤدي إلى أضرار أكثر من الفائدة المتوخّاة من القطيعة نفسها.
إقليمياً، لا تأثير للقاء على أيّ من الملفات، إذ إن أيّاً منها لا ينتظر لقاء بين بايدن ونتنياهو لتذليل عقباته أو تحسين فرص إنجازه، فالملفات الإقليمية تُدار ويجري التخطيط والتنفيذ فيها، وفقاً لاتفاقات ولقاءات مهنية واختصاصية سياسياً. وبالمثل، لا تأثير فعلياً للقطيعة بين رأسَي الهرم السياسي في تل أبيب وواشنطن، على المستويَين العسكري والأمني. ومن ناحية إسرائيل، أهم ما في الملفات الإقليمية يتمثّل في اثنين: إيران وتعاظم قدراتها وتحسّن مكانتها إقليمياً ودولياً، ومسار التطبيع مع السعودية، وهما ملفان لن يتأثرا، سلباً أم إيجاباً، بانعقاد اللقاء من عدمه.
وكما يرد في التسريبات، كان اللقاء صريحاً، والصراحة تعني أنه كاد يخلو من المجاملات وأن الأشياء قيلت كما هي: لدى بايدن سلة من المطالب، يريد من نتنياهو أن يبادر إلى تحقيقها، ليس في الساحة الإقليمية فحسب، بل وأيضاً في الداخل الإسرائيلي، سواء بشأن الأزمة السياسية التي تعدّ الإدارة نفسها طرفاً مؤيداً للمعارضة فيها، أو تجاه الفلسطينيين، مع السعي إلى تلبية جزء من المطالب السعودية للدفع قدماً بملف التطبيع معها، ومن ثم الائتلاف الإقليمي بين الحلفاء، للتعويض عن الانكفاء الأميركي في المنطقة. لكن كما يتبين، نتنياهو لا يريد، وهو أيضاً لا يقوى، على تلبية أيّ من المطالب الأميركية، حتى الرمزية منها، لعدم قدرته على مواجهة حلفائه، وهو يكتفي باللقاء الشكلي مع بايدن ليتحدث عن إنجازاته في الخارج. وفي المقابل، يكتفي بايدن بأنه لم يدفع القطيعة إلى حد كبير يضرّه داخلياً، فيما لا تسجّل الملفات المذكورة أي تقدّم ملموس، والحديث عنها يقتصر على لزوم الضرورات في البيانات الختامية للقاءات التي تجمع المسؤولين الإسرائيليين بنظرائهم الأميركيين.
في كلّ الأحوال، لا يجب سحب تردّي العلاقة الشخصية بين نتنياهو وبايدن، على العلاقات بين «الدولتين»، فالخلاف الشخصي شيء، والعلاقات ومتانتها شيء آخر، ومن يبني على الأول تحليلات ومواقف وأفعالاً، لا بدّ أن يخطئ.