لم يكن سهلاً على السعودية هذه المرة إمرار قراراتها الرامية إلى فرض قيود جديدة على البضائع التي تدخل الأراضي اليمنية عبر منفذ شحن في محافظة المهرة، بين اليمن وسلطنة عمان. القرارات التي قضت بوقف استيراد سيارات الدفع الرباعي وآليات الزراعة والألعاب النارية وطائرات التصوير، فجّرت قبائل المهرة غضبها في وجهها، مُطوّقةً منفذ شحن الحدودي الواقع تحت سيطرة السعودية، ومُجبرةً قوات الأخيرة على الخروج من مركزه. تصعيد القبائل، بقيادة الزعيم القبلي علي سالم الحريزي، أربك حسابات السعودية في المهرة، وهو ما دفعها إلى حشد القوات اليمنية الموالية لها، والدفع بتعزيزات عسكرية ضخمة (أكثر من 30 عربة عسكرية) مسنودة بطائرات الـ«أباتشي»، قبل أن تشرع في مواجهة مع القبائل التي دمّر أبناؤها 3 مدرعات، وأسقطوا 3 جرحى من القوات الموالية للسعودية، فيما أصيب عنصر منهم.تراجعت السعودية عن المواجهة بعدما وجدت نفسها، للمرّة الأولى، إزاء قوة قبلية هائلة، ولجأت إلى الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، ونائبه علي محسن الأحمر، الذي أصدر توجيهات لقائد محور المهرة بـ«المساندة والتنسيق» مع القوة السعودية في مواجهة القبائل. توجيهاتٌ اعتبر الزعيم القبلي، علي الحريزي، أن فيها تعليمات بـ«سحق مواطنين يمنيين يدافعون عن سيادة البلاد»، مضيفاً إنها «تتعارض مع مزاعم استدعاء التحالف لعودة الشرعية وحماية السيادة الوطنية». والجدير ذكره، هنا، أنه خلافاً لدعوات هادي والأحمر، طالب نائب رئيس الوزراء، وزير الداخلية أحمد الميسري، المناوئ لـ«التحالف»، القوات المحلية بالانسحاب من المواجهة.
وعلى رغم تفوّقها على القوات السعودية وحلفائها، إلا أن القبائل، بحسب مصادر «الأخبار»، «تعرّضت لخدعة من قِبَل السعودية عبر الشخصيات التي تدخّلت كوسيط لوقف الاقتتال، وعلى رأسها اللواء عبد الله منصور، قائد اللواء 131؛ إذ استغلّت الرياض قبول القبائل وقف الاقتتال لتحشد قوات ضخمة استعادت من خلالها منفذ شحن». لكن المتحدث باسم اعتصام المهرة، سالم بلحاف، أكد، في حديث إلى «الأخبار»، أن «القبائل لا تزال في محيط منفذ شحن، وتمتلك زمام المبادرة لإخراج القوات السعودية»، مضيفاً إن «أبناء المهرة يصطفّون في مواجهة السعودية لإدراكهم حجم الأطماع السعودية التي تهدّد مستقبل أبناء المهرة بشكل خاص واليمن بشكل عام».
«الإنقاذ»: معركة المهرة هي معركة جميع أبناء الجنوب وستستمرّ حتى خروج آخر محتلّ


وبرأي متابعين، فإن الأطماع السعودية لا تقتصر على السيطرة على منفذ شحن فحسب، بل إن المملكة ترى مصلحتها في السيطرة على كلّ محافظة المهرة المطلّة على البحر العربي والغنية بالنفط، ولذا فهي دفعت بلواءين إلى مركز المحافظة، وسيطرت منذ عام 2017 على ميناء نشطون ومطار الغيضة الدولي، إضافة إلى منفذ شحن. ويربط متابعون بين الوجود السعودي الكثيف في المهرة وما يحدث في منطقة الخراخير الحدودية بين السعودية واليمن، والتي تعرّض سكانها للتهجير من قِبَل القوات السعودية، وحوّلتها المملكة إلى ما يشبه خزانات نفط، استعداداً لشحنها عبر أنبوب يمتدّ من السعودية إلى بحر العرب، مروراً بمدينة المهرة. ويبدو أن مشاريع السعودية في المهرة تعثّرت بسبب رفض القبائل، خلال الأشهر الماضية، مشروع الأنابيب الذي شرعت الرياض في بناء القواعد الأساسية له، قبل أن يعمد أبناء القبائل إلى نزع الترسانات المستحدثة لمدّه، فضلاً عن إفشالهم مشروع بناء معسكر سعودي بالقرب من ميناء نشطون.
ورأى عضو المكتب السياسي لـ«مجلس الإنقاذ الوطني اليمني الجنوبي»، محمد سكين، أن «الأحداث التي دارت رحاها خلال اليومين الماضيين في شحن تأتي امتداداً لانتفاضة القبائل في وجه السعودية منذ وصول قوات الأخيرة في عام 2017»، لافتاً في حديث إلى «الأخبار» إلى أن «أبناء المهرة يرون أن الوجود السعودي احتلال يجب مواجهته بكلّ الوسائل المتاحة». وأضاف إن «معركة قبائل المهرة ضدّ السعودية معركة جميع أبناء الجنوب، وستستمرّ حتى خروج آخر محتلّ».