صنعاء | فتَح قرار قيادة التحالف السعودي - الإماراتي سحْب الميليشيات الموالية لها من الأحياء الغربية والشرقية لمدينة الحديدة، نحو مديريات جنوب المحافظة، باب التكهّنات حول خلفيات هذه الخطوة ودلالاتها، وما إذا كانت مرتبطة، على نحو أو آخر، بمعركة مأرب، سواءً لناحية التحسّب لانتقال المواجهة إلى سواحل اليمن الجنوبية والشرقية، أو لجهة العمل على إعداد معقل بديل من مدينة مأرب، التي يبدو أن ثمّة تسليماً لدى «التحالف»، ومن ورائه، رعاته الغربيون، بأنها آيلة إلى السقوط في وقت قريب، أو حتى لمجرّد إغراء صنعاء بترتيبات تدفعها إلى وقف هجومها هناك. اللافت، في هذا السياق، أن الانسحاب جاء بعد يوم واحد من زيارة قام بها المبعوث الأممي إلى اليمن، هانز غروندبرج، إلى الساحل الغربي، حيث التقى نجل شقيق الرئيس السابق علي عبدالله صالح، طارق صالح، لتتلقّى «القوات المشتركة» في الساحل الغربي وفي محيط مدينة الحديدة، إثر ذلك، أوامر عاجلة من الضابط الإماراتي، أبو خليفة سعيد المهيري، بالانسحاب إلى مدينة المخا، وفق ما تؤكّد مصادر محلية لـ«الأخبار».وفي التفاصيل، توضح المصادر أن «ألوية العمالقة» بقيادة العميد أبو زرعة المحرمي، و«ألوية المشاة» بقيادة وزير الدفاع الأسبق اللواء هيثم قاسم طاهر، انسحبت، بكامل عتادها العسكري، من مناطق واسعة في أطراف مدينة الحديدة، أبرزها الصالح، كيلو 16، مجمّع إخوان ثابت التجاري، ومنطقة مَنْظر الواقعة في محيط مطار الحديدة، ومناطق النخيلة والشجيرة وقضبة والجريبة والطائف، ومناطق أخرى في مديرية الدريهمي. وأشارت المصادر إلى أن بعض تلك الميليشيات أعادت تموضعها في مناطق خلفية في أطراف الدريهمي باتجاه المديريات الجنوبية من المحافظة، فيما تلقّى «اللواء الخامس عمالقة» بقيادة أبو هارون اليافعي، و«اللواء السادس عمالقة» بقيادة ناصر قاسم الصبيحي، إشعاراً بنقلهما إلى مدينة عدن. في المقابل، لقي الانسحاب المفاجئ اعتراضاً من قِبَل ما تُسمّى «الألوية التهامية»، التي ينتمي معظم عناصرها إلى مديريات جنوب الحديدة، والتي رفضت إخلاء مواقعها، ليأتي ردّ قيادة «التحالف» بإلزامها بالتنفيذ الفوري، تحت طائلة تعرّضها للقصف في حال إصرارها على مخالفة الأوامر.
المفارقة أن العملية، التي تبدو متساوقة مع ما ينصّ عليه «اتفاق استوكهولم» المُوقّع عام 2018، تمّت بغياب الفريق الأممي المعنيّ بالإشراف على تنفيذ الاتفاق، على رغم تواجد رئيسه الجنرال أباهيجيت جوها، وأعضائه، داخل مدينة الحديدة، وهو ما يثير تساؤلات حول سبب تجاهل الفريق الأممي، الذي لم يعلّق على خطوة «التحالف»، شأنه شأن ممثّلي صنعاء في لجنة التنسيق الخاصة بالمدينة. مع ذلك، تصف مصادر عسكرية في الساحل الغربي، ما حدث بأنه «إعادة تموضع للميليشيات الإماراتية تنفيذاً لاتفاق استوكهولم، وتفاهمات غير معلنة بهدف إنشاء منطقة (خضراء) منزوعة السلاح تشمل مديريات جنوب الحديدة، وإعادة فتح منطقة كيلو 16 شرق المدينة، والتي تضمّ طريقاً رئيساً يصل الحديدة بالعاصمة صنعاء ومحافظات أخرى».
وفي الإطار نفسه، يتحدّث البرلماني (عن كتلة محافظة الحديدة) الموالي لحكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، محمد ورق، عن بدء تنفيذ ما وصفه بـ«اتفاق دولي يهدف لإغلاق ملفّ مدينة الحديدة»، مشيراً إلى أن «الاتفاق يقضي بالاكتفاء بقوات طارق المتواجدة في المخا لحماية الممرّات الدولية» في إشارة إلى باب المندب، و«إعداد خارطة جغرافية جديدة تتضمّن منح ما بين 2-3 كيلومترات شرق الساحل الغربي، وعلى امتداد جبهة الساحل التهامي من الخوخة إلى الدريهمي، لمصلحة قوات طارق، مع إبقاء الدريهمي منطقة خطّ تماس مع قوات صنعاء»، مضيفاً أن «عملية الفصل بين القوات ستتمّ بجدران من الأسلاك الشائكة، كما يتضمّن الاتفاق سحب الألوية التهامية إلى الوازعية تمهيداً لشنّ عملية عسكرية على تعز».
في المقابل، يعتقد أكثر من مصدر في صنعاء، التي سارعت قوّاتها إلى الانتشار في المناطق المُخلاة من قِبَل الميليشيات الإماراتية، أن هذا الانسحاب إنّما يمثّل «محاولة أممية مكشوفة لخطب ودّ صنعاء لوقف تحرير مدينة مأرب، مقابل تنفيذ خطّة سلام تبدأ برفع الحظر الجوي عن مطار صنعاء، وفكّ الحصار المفروض على ميناء الحديدة، ووقف التصعيد الجوي بين صنعاء والرياض، وصولاً إلى وقف شامل لإطلاق النار، والعودة إلى المفاوضات السياسية، مع احتمال عودة مقايضة تحالف العدوان صنعاء بالإبقاء على الحديدة (تحت سيطرتها) مقابل الإبقاء على مأرب (تحت سيطرة حكومة هادي) في حال فشلت هذه المساعي».


دلالات الانسحاب: سيناريوان محتملان
تضع مصادر مقرّبة من حركة «أنصار الله»، انسحاب الميليشيات المدعومة إماراتياً من مناطق واسعة في أطراف مدينة الحديدة ومحيطها، وآخرها مدينة التحيتا يوم أمس، في إطار سيناريوَين محتملَين: الأوّل، هو الانكفاء إلى الخطوط الخلفية، وصولاً إلى مدينة الخوخة، بهدف تحصين منطقة باب المندب بوجه أيّ محاولات مستقبلية لتدشين برنامج عمليّات هجومية فيها، في حال قرّر الجيش اليمني و»اللجان الشعبية» نقل المعركة بعد سقوط مدينة مأرب إلى السواحل الغربية والجنوبية لليمن؛ والثاني هو نقل الثقل العسكري للتحالف السعودي - الإماراتي باتجاه محافظة تعز، بهدف السيطرة عليها بشكل كامل، وجعلها بديلاً من محافظة مأرب، التي تمثّل آخر معاقل «التحالف» في الشمال.