علاء بريك | ينطلق الفيلم من قصة مؤامرة حقيقية، بطلها غاي فوكس. تسمّى هذه المؤامرة "مؤامرة ليلة البون فاير"، ولكن للمفارقة يكون اتكاء الفيلم على رمزية الحدث، وليس على الحدث. وربما مرد ذلك هو تحوير إرث العداء بين الكاثوليك والبروتستانت، وسعي بريطانيا إلى التخفيف من الاحتقان التاريخي. ففي الفيلم تقوم ثورة "ڤي" الانتقامية ليس فقط بسبب الفاشية، التي يترأس قيادتها اليميني المتطرف ساتلر (المستشار)، بل ولها جذور تتعلق بالثأر الشخصي من أشخاص أساؤوا لـ"ڤي" ذات نفسه، وفي حين أن "ڤي" يسعى إلى القضاء على الفاشية تحقيقاً لهدفي الثأر والثورة، في سيناريو الفيلم، المختلف عن الرواية المصوّرة التي كتبها آلان مور، والتي تسعى إلى تأييد المفاهيم الأناركية، والتي لم تظهر في الفيلم بشكل واضح. ناهيك عن نقل زمن الأحداث، والذي هو خلاف رئيس بين السيناريو والرواية.
نعود إلى "ليلة البون فاير"، ولنختصر تلاوة أحداثها. حدث في عام 1605 أن قامت مجموعة كاثوليكية متزمتة بمحاولة اغتيال الملك البروتستانتي، جميس الأول، ملك إنكلترا، والذي لم يكن أكثر تسامحاً، رغم أنّ كاثوليك انكلترا كانوا قد استبشروا به، لكون أمّه كاثوليكية. وكان الإصلاح البروتستانتي في الكنيسة الكاثوليكية، آنذاك، يحاول إلغاء مركزية الكنيسة، والتخفيف من نير البابوية، التي كانت تحكم أوروبا باسم الدين والغفران والخلاص. وقد خمّن المتآمرون أنّ عملاً عنيفاً من قبلهم سيجعل الأوضاع تتحسن، غير أن ظروفاً حالت دون نجاحهم، وتمّ إلقاء القبض على حارس المتفجرات (غاي فوكس)، ونجا الملك بأعجوبة.
ويبدو أنّ المجموعة لم تكن تريد فقط الاستيلاء على الحكم، بل كانت تريد كذلك رد الصاع، وعليه تكون نتيجة المخطط استبدال مستبد بمستبد.
الجدير بالذكر أن الملك جيمس قام بعد عام 1605 باضطهاد مجموعة منشقة عن البروتستانت، هي البيوريتانيين، والتي تمثل أقصى يمين البروتستانتية البريطانية، أو كما يقال سلف اليعاقبة الفرنسيين. بينما نرى إسقاط الـ"بون فاير" على الفيلم يمثل قطعاً معرفياً مع الحدث الحقيقي، مع البناء عليه، ومحاولة تفريغ الحدث من محتواه، وقولبته لصالح فكرة الثورة والحرية والمفاهيم اليسارية. في حين أن ما سعت إليه الـ"بون فاير" الحقيقية هي مزيد من التجذير اليميني، ومزيد من التشديد المحافظ، وصراع بين شيعتين متغاليتين في ادعاء الإيمان، والحق بالسلطة، خصوصاً أن الملك جيمس هو أوّل من حكم بريطانيا بإمارة موحدة تشمل إنكلترا واسكتلندا وإيرلندا، بعد وفاة ملكة إنكلترا إليزابيث الأولى من دون أولاد، وآل إليه عرش إنكلترا بعد أن كان حكمه يقتصر على اسكتلندا وإيرلندا تحت اسم جيمس السادس.
وهذا ما يمثله دور السينما والكتابة عموماً في حياتنا في استحضار التاريخ بما يتناسب مع المرحلة ومع الإيديولوجيا، في السعي إلى التأثير على الوعي الفردي.
تبقى الإشارة إلى أن حادثة غاي فوكس قد تم نسيانها غالباً، اليوم، ليحل محلها غاي فوكس على نمط *V* فالكثير منا الآن يتذكر القصة حسب الفيلم لا حسب ما هي تاريخياً.

أرسلوا لنا مشاركاتكم على البريد الإلكتروني:
[email protected]