بشير صفير غاصت الفنانة اللبنانية غادة شبير لسنوات في عالم الموسيقى الشرقية دراسةً وبحثاً، وسبرت أغوار تراث الغناء الشرقي الديني وغير الديني، حتى تكشّفت لها أسرارٌ دفينة. انتقلت بعد ذلك إلى توظيف موهبتها وخبرتها في هذا المجال، في سبيل إعادة إحياء روائع كلاسيكيّة تصارع النسيان. سجلت بداية الترانيم الدينية القديمة من التراث الفنيّ الكنسيّ، ومن ثم خصّت فن الموشَّح بألبومٍ حمل عنوان «موشّحات»، أدّت فيه بأمانة علمية ومهنية استثنائية، أعمالاً معظمها مجهول المصدر.
وكانت النتيجة أن حاز ألبوم «موشّحات» جائزة الـ«بي.بي.سي.» عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2007. بعد هذا النجاح، بات يصعب على غادة أن تقدم على خطوة جديدة لا تكون عند المستوى الفني العام الذي بلغته في «موشّحات». لكنّها تخطت الامتحان في أسطوانتها الجديدة «قوالب» («زمن» للإنتاج). تقدّم المطربة اللبنانيّة هنا باقة من أعمال الشيخ سيّد درويش، تنوّعت بين موشّحات («طف يا درّي بالقناني»، «منيتي عزّ اصطباري» و«حيّر الأفكار») وأدوار («أنا هويت وانتهيت» و«أنا عشقت») وطقاطيق («يا ناس أنا مُتّ في حبّي»، «يا عشاق النبي»، و«شدّ الحزام/ لحن الشيّالين»)، إضافة إلى «موّال وَلّادة» من ألحان غادة شبير (شعر ابن زيدون ووَلّادة بنت المستكفي).
غناء شبير في هذه الأعمال لا غبار عليه عموماً، وكذلك أداء الفرقة (بسّام صالح/كونترباص، إيمان حمصي/ قانون، سمير سبليني/ ناي، إيلي خوري/ عود وبزق، علي الخطيب/ رق، أنجلا هوننيان/ تشِللو، أنطوان خليفة/ كمان). ويمثّل الموال الذي لحنته غادة نقطة قوة (غير متوقعة؟) في الأسطوانة، على مستوى عناصره كلها، المدعومة بتقاسيم للبزق (وهو الأفضل ولو أنّه لم ينجح كزملائه في الإفلات من الإيقاع)، والناي، والكمان.
هذا الشغل الأمين والمُتقن الذي جاء بمثابة تحيّة إلى سيّد درويش، اتسم أيضاً بطابع توثيقي علمي تماماً كما في «موشحات». إذ أُرفِقت الأسطوانة بكتيبٍ، تشرح فيه قواعد القوالب الغنائية العربية التي اختارتها، وانعكاسات عبقرية سيّد درويش في كل عمل. لكن ثمة نقطة ضعف طفيفة تكمن في عملية التسجيل: هناك أكثر من خللٍ في مستوى الصوت (أكثرها نفوراً طاول تقاسيم القانون في مطلع «منيتي عزّ اصطباري»). كما تتخلّل «قوالب» مفاجأة غير سارّة في «شِدّ الحزام». إذ حذفت شبير أجمل مذاهبه وأكثرها دلالةً على الحس العصري لهذه الطقطوقة «الباخية» الشكل إذا جاز التعبير (نسبة إلى باخ)، أي ذلك الذي يحوي مصطلحات من التكنولوجيا المتقدمة جداً آنذاك: تليفونات، تلغرافات...
ختاماً، لا بد من القول إنّه مع احترامنا وتقديرنا لكل فنان غنّى سيّد درويش، لم يستطع أحد منافسة الشيخ في أداء أعماله (رغم رداءة التسجيل في تلك الأيّام)... و«زوروني» بصوت السيدة فيروز، ليست استثناءً.
www.ghadashbeir.com