لا تشبه الطبقة السابعة في وزارة التربية سائر طبقات المبنى في الأونيسكو. هنا، لا «تتفركش» بمواطنين في المكاتب والممرات، فلا من يُراجع ولا من يصدّق إفادات. قاطنو المكان يعيشون عالمهم الخاص...الافتراضي. كاميرات مراقبة تعج في الردهات، وبابان للدخول، و«جدار فاصل» بين جناحين. الجناح الأول عادي مخصص للموظفين والثاني مُمكنن يحتاج إلى كلمة مرور لولوجه. «إنهاّ إمبراطورية توفيق كرم»، يقول أهل الوزارة.من هو هذا الرجل؟ وماذا يفعل في وزارة التربية؟ وما هي المعلومات الخطيرة التي تستدعي كل هذه الأَمْنيّات؟ هل المكان أهم من مكتب الوزير في الطبقة الخامسة عشرة؟ وما مبرر الخوف ما دام المبنى بكامله تحت حماية أمنية مشددة من أمن خاص وقوى أمن داخلي وكاميرات متطورة في كل زاوية ترصد حتى آخر الأوتوستراد المجاور؟
كما في وزارة المال مع مستشار الوزير لشؤون المعلوماتية نبيل يموت، «الحاكم الفعلي» للوزارة، تتكرر الحكاية نفسها في وزارة التربية. المعلوماتية، كلمة السر القابضة على الوزارات من خارج ملاكاتها. فتحت ستار الانتقال إلى عصر التكنولوجيا والشفافية وسرعة العمل ودقته، تتحكم مشاريع الأمم المتحدة والبنك الدولي في مفاصل الإدارات العامة وقراراتها، ويصبح لمن تُعيّنهم على رأس هذه المشاريع سلطة كبيرة. توفيق كرم أحد هؤلاء، أو هذا، على الأقل ما يظنه الموظفون.
اللقاء بالرجل لا يحتاج إلى تعقيدات على غرار ما يحدث عند مقابلة موظف في القطاع العام، فاتصال بسيط يجريه بـ «فادي» (المدير العام للوزارة فادي يرق) كاف لتحديد موعد سريع. يستقبلك واثق الخطوة بحفاوة بالغة. يسارع إلى تزويدك ببطاقة تعريف تفيد بأنّه «مدير المعلوماتية في وزارة التربية والتعليم العالي».
هل هي إحدى مديريات الوزارة؟ وهل يحمل كرم تكليفاً رسمياً خطياً من وزير التربية بالقيام بهذه المهمة؟ أم هناك من يغطيه استحدث المديرية ونصّبه مديراً عليها؟ وهل ثمة ما يشير في هيكلية الوزارة الحالية إلى هذا التوصيف الوظيفي؟
«طبعاً لا»، يقول كرم موضحاً أنّ «الهيكلية الحالية تعود إلى عام 1959 حيث كان مستحيلاً لحظ مثل هذه المديرية، وعلى كل حال نحن لسنا إطاراً موازياً للإدارة، بل وحدة تسيّر أمورها وتدعمها فنياً». ينفي المدير أن تكون لديه سلطة القرار «فنحن نشارك في التخطيط وننفذ خطط الوزارة ونسلّمها المشاريع»، لكن ليس هذا ما يقوله الموظفون. هؤلاء يتحدثون عن «إدارة خاصة ليست لها علاقة بالتربية، وجهاز رقابي علينا، فلا نخطو خطوة من دون العودة إلى توفيق كرم وفريقه، بما في ذلك دخول المواقع الإلكترونية وتعريف الطابعات، وحتى إدخال الـ flash memory». ومع ذلك، لا يمانع أهل الوزارة، كما يقولون، أن تعمد إدارتهم الرسمية إلى تنظيم الشبكة بحيث يُمنع استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مثل «الفايسبوك» و«اليوتيوب» التي تُلهي الموظف عن أداء واجباته.
هنا يوضح كرم أنّ «الموظفين لديهم الحرية المطلقة في أن يفعلوا ما يشاؤون، وأن يدخلوا مواقع البحث شرط ألا يتعدّوا ما ليس لهم به عمل!؟».
يتحمّس الرجل للحديث عن إنجازات «مديريته»، فيروي كيف وصل منذ 3 سنوات وكانت وحدة إدارة المعلوماتية قد استُحدثت قبل ذلك بسنتين في عهد وزير التربية السابق خالد قباني. ويعلّق: «المشروع مستمر منذ ذلك الحين مع بعض الفروق ولمسات الوزراء».
يعدّد النجاحات المتمثلة في مشروع أرشفة ومكننة دائرة المعادلات ومكننة شؤون الأساتذة والموظفين والطلاب وربط 50 مدرسة رسمية من أصل 1350 عبر مد شبكة إلكترونية بين بعضها البعض، وبينها وبين الوزارة، وهناك طموح إلى توسيع المشروع ليشمل هذا العام من 150 إلى 200 مدرسة. يراهن كرم في ذلك على الوزير الجديد البروفسور حسان دياب لكونه يأتي من خلفية «معلوماتية». ماذا عن مكننة الامتحانات الرسمية، المشروع الذي ملأ الدنيا وشغل الناس وصُرفت عليه ملايين الدولارات على خلفية أنّه سيُحدث قفزة نوعية في هذا الجانب الحيوي من النظام التربوي؟
يميّز كرم في هذا الإطار بين شقين: «الشق الأول، بنك الأسئلة الذي حققنا فيه خطوات متقدمة لجهة الشفافية وسرعة إصدار الأسئلة وتقليص عدد أعضاء اللجان الفاحصة». أما الشق الثاني، فمتعلق بإدارة الامتحانات، أي توزيع المراقبين والطلاب على المراكز ووضع الأسئلة وطريقة التصحيح. هنا، يعترف كرم بأنّ المشروع جريء وتجريبي وواجه صعوبات كبيرة نظراً إلى التعقيدات في الامتحانات. فأسئلة المسابقات هنا مفتوحة فلا تتيح الخيارات (أ، ب، ج،) مثل النظام الأميركي، ما جعل تطويعها للمكننة أمراً بالغ الدقة، لكن ليس مستحيلاً.
هل معنى ما تقولون إن المشروع فشل وتكاليفه ذهبت هباءً منثوراً؟ يؤكد كرم «أننا لم نرم المشروع الذي اشتريناه من الخارج، بل نعمل على تحسينه، وقد ألّفنا فريقاً من إداريين وتربويين لدراسة الملاحظات والعمل على إدخال التحسينات على البرنامج الذي بدأ تطبيقه منذ 4 سنوات». لا يقتنع الموظفون بما يسمونه تبريراً للهدر، فهل يُعلن الفشل بعد 20 سنة من تنفيذ المشروع؟
من يضم فريق توفيق كرم؟ يشير الرجل إلى أنّه فريق صغير من 7 اختصاصيين و10 تقنيين، منهم من هو متعاقد على حساب مشروع الإنماء التربوي الممول من البنك الدولي، ومنهم من هو متعاقد على حساب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. لا يخفي طموحه بأن يصل العدد إلى 35 اختصاصياً في المعلوماتية، و15 تقنياً «فهؤلاء دم جديد يملكون كفاءات عالية باتت الإدارة العامة لا تستغني عنهم، لذا نسعى إلى التوظيف عبر مجلس الخدمة المدنية وقد اخترنا 7 أو 8 أشخاص، ورفعنا أسماءهم إلى المجلس». كيف ذلك؟ ووفق أي معايير؟ وهل ستجري المباراة في المجلس على قياس هؤلاء؟ يكشف كرم أنّ «هدفنا أن تكون هناك وحدة معلوماتية بقرار في مجلس الوزراء، وأن ندخل ضم نسيج وزارة التربية».
تسأله عن الاحتياطات الأمنية، فيجيب «نحن خزنة الوزارة، والمعلومات يجب أن تكون في مأمن، وكلنا يعرف كيف أنّ أبواب هذه الوزارة بالذات مشرّعة أمام جميع المواطنين».
لماذا يبدو كرم مزهواً بنفسه وقدراته إلى هذا الحد؟ «لأنني أعرف حقوقي ولا أتنازل عنها قيد أنملة، وأقوم بواجبي على أكمل وجه، مدمن شغل مش شي تاني»، يقول بثقة.
يضحك حين تبلغه ما يقول عنه أهل الوزارة: «توفيق كرم إمبراطور وزارة التربية».