وقع الصدمة كان ثقيلاً. النتائج المفاجئة باغتت أخصام السياسة، حالها كحال صفعتين تلقاهما محامٍ من رجل أمن على مدخل قصر العدل في بيروت أمس. العسكري صفع المحامي ومزّق بطاقته النقابية، لكن المحامين المشتغلين في السياسة تحدثوا عن صفعتين، من نوع آخر، تلقاهما كل من التيار الوطني الحر وقوى 14 آذار. فمرشح التيار لعضوية النقابة، جورج نخلة، خسر الانتخابات. ومرشحه لمركز النقيب، أنطونيو الهاشم، حل في المرتبة الأولى في الدورة الأولى من الانتخابات، لكنه فشل في خلافة النقيبة أمل حداد. وُضع ذلك في خانة ثأر قديم حصّله الرئيس نبيه برّي من النائب ميشال عون يعود إلى انتخابات جزين النيابية. إذ حُكي عن طبخة أعدّها أستاذ عين التينة بالتنسيق مع نقيبة المحامين والنائب وليد جنبلاط لدعم المرشح نهاد جبر. وبذلك، تمكن «الحلف الثلاثي» من إيصال جبر، فكان الفائز الأول في انتخابات نقابة المحامين الرئيسان نبيه بري ووليد جنبلاط. وما سمح بكسر التيار أيضاً، الأداء السيئ لهيئة محاميه في إدارة المعركة الانتخابية في «أمّ النقابات». كل ذلك، ساهم في خسارة التيار الوطني الحر، لكن وفق معادلة أن «ميشال عون انتصر رغم أنف العونيين». فالمرشح جبر كان منذ البداية مرشّح عون لمركز النقيب لولا الانقسام الذي حصل في هيئة محامي التيار لمصلحة الهاشم. كما أن الصفعتين لا تُلغيان أن الهاشم المدعوم من التيار البرتقالي حصد أكبر عدد من الأصوات في الدورة الأولى. أضف إلى ذلك، حلول المرشح الثاني على اللائحة نهاد جبر في المرتبة الثانية. انطلاقاً من هذه النقطة، يرى محامون متابعون لمجريات الانتخابات أن قوى الثامن من آذار فازت في انتخابات النقابة، لكن من دون العونيين. وخسارة العونيين تهون أمام خسارة قوى 14 آذار التي عجز مرشحها لموقع النقيب، نبيل طوبيا، عن الفوز ولو بعضوية النقابة، فحل في مركز عضو رديف. لكن قوى المعارضة عوضت جزءاً من خسارتها بفوز المرشح الكتائبي جورج أسطفان والمرشح القواتي بيار حنّا بعضوية النقابة.
عمليات الاقتراع حصلت على مرحلتين. الأولى لتحديد أسماء الأعضاء الأربعة الجدد في مجلس النقابة. بدأ الاقتراع الأول العاشرة صباحاً، وعند الواحدة ظهراً أُقفلت الصناديق. استمر الفرز نحو ساعتين، قبل أن تُعلن أسماء الفائزين الأربعة. حلّ الهاشم في المرتبة الأولى (2164 صوتاً)، يليه نهاد جبر (2132) وأسطفان ثالثاً (2068) متجاوزاً مرشح لائحته القواتي حنا بفارق خمسة أصوات.
بدأ المحامون بالتوافد مع ساعات الصباح، ليصل عددهم إلى نحو أربعة آلاف. توزّع مندوبو اللوائح على مداخل باحة الخطى الضائعة. تعددت اللوائح. بعضها ضم اسم المرشح جبر منفرداً. وأخرى ضمّت اسمي المرشحين الهاشم ونخلة. وكانت هناك، أيضاً، لائحة عونية رسمية ضمّت الأسماء الثلاثة. في المقابل، كانت لائحة قوى الأكثرية السابقة التي ضمت طوبيا وأسطفان وحنا. الأجواء التنافسية كانت على أشدّها. «خبصة» كان جواباً شبه موحّد لوصف الحالة في أوساط قوى 8 آذار. حُكي عن تشطيب متبادل بين أنصار الهاشم وجبر. في المعسكر المقابل، التفاؤل سيّد الموقف. الجميع يؤكد أن المعركة تسير وفق المخطط. ابتسامات «الشماتة» علت وجوه بعض المعارضين إزاء الانقسام في قوى الأكثرية. كلا المرشحين أسطفان وحنّا يؤكّدان أن طوبيا سيكون النقيب المقبل. يستندان في الاستنتاج إلى التشظّي بين خصومهم. فحركة أمل والحزب القومي يدعمان جبر، شأنهما شأن الحزب الاشتراكي، وعدد كبير من المحامين المقربين من قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر. أما التيار الوطني الحر والمردة وحزب الله، فيدعمون اللائحة الثلاثية التي أعلنوها.
اختلف المشهد بعد إعلان النتائج. وقع المفاجأة كان قوياً على مرشح 14 آذار لموقع النقيب نبيل طوبيا الذي «خسر كل شيء»، النقابة والعضوية. كذلك الحال بالنسبة إلى المرشح الفائز أسطفان الذي أهدى الفوز إلى «الشيخ سامي» الجميل خلال اتصال الأخير به. أنهى اتصاله ليجيب عن سؤال «الأخبار» بأنه فوجئ بالنتيجة. تحدّث عن أصوات الاشتراكيين البالغ عددها نحو 120 محامياً صبّوا لمصلحته ومصلحة حنّا، لافتاً إلى احتمال أن تكون هذه الأصوات «عوّمت» جبر وقضت على طوبيا. وختم ممازحاً: «أين العونيون ... ليه فلّوا بكّير؟».
نظرية المؤامرة حضرت بقوة. حُكي عن تشطيب الكتائب والقوات لمرشح لائحتهما طوبيا لإيصال جبر لمركز النقيب. أما في ما يتعلق بـ«صفقة الحلف الثلاثي»، فقد علمت «الأخبار» من مصادر مطّلعة أن النقيبة حداد اتفقت مع الرئيس بري على دعم جبر، فأوعز الأخير لقاعدته، واتصل بالنائب جنبلاط لتجيير أصوات الاشتراكيين لمصلحة المرشح المذكور.
وبين عوامل خسارة الهاشم، ثمة سبب متصل بالحلفاء. فمن المحامين الشيعة، لم يقترع سوى 540 محامياً من أصل 1300 سددوا اشتراكاتهم. وبذلك، حُرم الهاشم من أصوات محامين لم يشاركوا في الانتخابات بسبب غياب مرشح من حزب الله أو من حركة أمل.
معركة الانتخابات لمركز النقيب كانت ضعيفة. النتيجة عُرفت مسبقاً. بارك الجميع لجبر. بدأوا بمناداته بـ«النقيب ». أعلنت قوى 14 آذار دعمها له. كذلك فعلت أمل والاشتراكي. ليس هذا فحسب، فالتيار الوطني الحر أعطى الحرية لمناصريه لاختيار المرشح الذي يريدونه، وكذلك فعل حزب الله. أراد التيار العوني الإيحاء بأنه لم يخسر. فالمعركة محصورة بين «مرشّحَيه». ذكر نشطاء التيار أن القيادة طلبت من الهاشم الانسحاب، لكنه «أصرّ على إكمال المعركة الأخوية».
هنا سُجّل موقفٌ للهاشم. وصف ما يجري بـ«المهزلة». لم يضف شيئاً. كلمة واحدة، لكنها كانت معبّرة. فالهاشم خسر معركة أو خُذل فيها بعدما رأى كثيرون سلفاً أنه الفائز الأول.
قرابة السادسة مساء، أُعلنت النتائج بفوز جبر بمركز النقيب بـ 2073 صوتاً، مقابل 1623 صوتاً للهاشم الذي لم يكن موجوداً. هنّأ الجميع النقيب الجديد. قلّدت حدّاد خلفها الميدالية الذهبية الاستثنائية. اقترب النائب إبراهيم كنعان ورفع يده، لكن ممثل الحزب الاشتراكي المحامي بسام الحلبي رفع صوته معترضاً: «جبر جاء بأصواتنا لا بأصوات التيار الوطني الحر»، فردّ كنعان قائلاً: «أنا محام ويحقّ لي أن أرفع يده بصفته ممثلاً لجميع المحامين». هنا تدخّل عضو مجلس النقابة ناضر كسبار وفصل بين الاثنين قبل أن يتعانقا. التقطت عدسات المصوّرين اللحظة، فيما نظر كسبار إلى أضواء الفلاش كأنما يستشرف المستقبل. عام 2013 سيخوض معركته لمركز النقيب.