تشهد سوريا والمنطقة، هذه الأيام، استعدادات لمرحلة يمكن وصفها بالحاسمة. المشهد الدولي، كما الإقليمي، يعكسان حدّة المعركة المقبلة، ليس على سوريا فقط، بل على كل بلاد الشام، ومنها الى بقية الدول العربية والمنطقة. الدول الخليجية تعيش حالة استنفار قصوى جراء تلقيها معلومات عن احتمال تعرضها لهجمات عنيفة في سياق ما يجري الآن في سوريا. مردّ الاستنفار أن حكّام هذه الدول يعرفون ماذا فعلوا وماذا هم فاعلون، ولا سيما بعدما أظهروا أنهم أمام معركة وجودية. فيما التقارير الميدانية، كما الإعلامية، تشير الى ارتفاع ملحوظ في أعداد المقاتلين العرب الذين يفدون من دول الخليج للقتال ضد الحكومة السورية وعلى أراضيها. فيما تركيا تقف وحدها، الآن، لتواجه السؤال الاستراتيجي: هل نتورط في لعبة الدم الشاملة في سوريا ونستعد لدفع الأثمان؟ وحيث تبرز صعوبات كبيرة أمام كل الأطراف لتوقع حل سياسي ما، فإن الجميع لا يحتاج الى وقت طويل ليكشف عن الاستعدادات العملانية المكثفة من أجل جولة جديدة من العنف هدفها تعديل واقع الأرض، ما يسمح بتعديل موازين القوى بغية استخدام ذلك في مفاوضات جديدة مرشحة في وقت لاحق.
مهمة كوفي أنان انتهت. السبب الرئيسي يكمن في أنه لا توافق على دعمها. بل جاء إقرارها فرصة لخصوم الحكم السوري، من معارضة وقوى خارجية، من أجل التقاط الأنفاس بعد الموجة الأخيرة من الجهود الدبلوماسية والمواجهات الميدانية التي انتهت لمصلحة النظام. وقد جهد هؤلاء على خط توحيد قوى المعارضة، وهو أمر بدا صعباً لأسباب كثيرة. فتمت الاستعاضة عنه بالعمل على جعل جميع قوى المعارضة تعمل في سياق واحد. بينما تتولى الجهات الخارجية، من تركيا ودول الخليج الى أوروبا والولايات المتحدة، وإسرائيل أيضاً، العمل على البرامج العملية. ومع فشل محاولات استقطاب مجموعات دبلوماسية أو عسكرية من فريق النظام الى الطرف الآخر، كانت الحملة المقابلة بطرد جميع الدبلوماسيين السوريين، وبتوجيه ضربات أمنية ــــ عسكرية مدروسة لعدد من الضباط في الجيش السوري بغية إشعارهم بالخطر المحدق بهم نتيجة عدم تمردهم على النظام، بالتزامن مع موجة شائعات مكثفة هدفها، كما جرت العادة، إشاعة مناخات من انعدام الثقة والشك، وصولاً الى قرار منع النظام من الرد، ولو إعلامياً، من خلال العمل على منع البث الفضائي لقنوات سورية، وكذلك الاستعداد لتشويش يقصد منه حتى تعطيل البث داخل سوريا.
أمنياً، يجري العمل بسرعة كبيرة على خلق مناطق الدعم المطلوبة للمجموعات السورية المسلحة. الحدود التركية تحولت في الأسابيع الماضية الى ثكن عسكرية ومراكز تدريب. معارضون سوريون يتحدثون عن تولي الضباط الأتراك تدريب مقاتلين سوريين على أسلحة متطورة مضادة للدروع والطائرات، ويتولّون القيام بعمليات ذات طابع إداري لتنسيق عمل المجموعات العسكرية وتدريب بعضها على آليات التواصل الحديثة. بينما رفعت دول خليجية من وتيرة الدعم المالي الى حدود غير مسبوقة، وتمويل عمليات شراء أسلحة متنوعة، أو توفير مداخيل شهرية تؤمن استقطاب المزيد من المقاتلين وتجنيد شباب سوريين يعيشون خارج سوريا مثل تركيا والعراق ولبنان، الى جانب الاستمرار في الحملة الإعلامية المفتوحة حتى إشعار آخر.
أما في لبنان، فقد انتقل العمل من مرحلة توفير المناخ السياسي والشعبي الداعم للمعارضين السوريين، الى مرحلة التحضير العملاني. وهي مرحلة تقدمت خطوات بعد نجاح السعودية من خلال مجموعات سلفية ومناصرين لتيار المستقبل، بينهم موظفون في السلكين المدني والعسكري للدولة اللبنانية، في تنفيذ جزء من خطة وضع اليد على مناطق واسعة من الشمال. ويمكن القول، الآن، إن السعودية نجحت في انتزاع حق الفيتو من خلال أنصارها على أي عمل سياسي أو أمني أو خلافه في مناطق الشمال. وهو فيتو ترجم تقييداً لحركة الجيش اللبناني، ومحاصرة عمله الأمني، وتهديد قيادته بأن مراقبة المعارضين السوريين ستعدّ عملاً عدائياً، وإخضاع قوى الأمن الداخلي لمزيد من النفوذ الذي يترجم بأشكال مختلفة، وصولاً الى جعل القيادات السياسية والاجتماعية تعيش تحت ضغط هذه المجموعات. وترافق ذلك، مع توسيع انتشار المجموعات المسلحة اللبنانية والسورية في مدينة طرابلس نفسها وفي مناطق واسعة من عكار، وفي خلق مناخ متوتر على خلفية مذهبية هدفه تعزيز العصبية في الشارع. ويجري ذلك من خلال اتخاذ العلويين هدفاً في هذه المناطق، ولو تطلب الأمر معركة واسعة ومفتوحة.
أما في مناطق البقاع الشمالي، فإن الاختبارات العملانية مستمرة، سواء من خلال عمليات نقل العتاد الى جرود بلدة عرسال، حيث تحولت الى قواعد مفتوحة للمقاتلين السوريين ولمن يدعمهم من اللبنانيين، بعد توفير الغطاء السياسي وحتى الأمني. وقد جاءت الإشارة الأبرز في تصريحات رئيس بلدية عرسال، علي الحجيري، الذي دعا أبناء بلدته الى التسلح ومواجهة القوى الأمنية الرسمية، علماً بأن محاضر التحقيق التي أجريت مع موقوفين بتهمة نقل وتهريب أسلحة ومواد متفجرة عبر هذه المنطقة، دلّت على برنامج عمل متطور هناك. كما دلت المضبوطات على وجود خطة من شأنها تدمير قرى بأكملها وأحياء كبيرة في المدن.
في هذه الأثناء، تنشط مجموعات مقاتلة سورية على طول الخط الواصل بين مناطق من ريف دمشق وريف حمص وبين الحدود اللبنانية الشرقية، وتخوض معارك مع الأهالي هناك، تحت عنوان أن انتشاراً عسكرياً لحزب الله يقوم بتوفير عناصر الدعم للجيش السوري، علماً بأن المناطق التي تخضع لنفوذ حزب الله لم تشهد حتى الآن منعاً لنقل جرحى المعارضة السورية عبر هذه النقاط الحدودية الى مستشفيات في مناطق شمالية، وسط ارتفاع منسوب التحريض المذهبي في شريط من القرى المتداخلة داخل الأراضي السورية والتي تشهد تنوعاً طائفياً ومذهبياً بين قاطنيها.
يبدو أن هناك ساعة صفر لدى من بيده أمر هؤلاء. لكن في المقابل، هناك استعداد من جانب النظام لمواجهة حتمية ... فما الذي سيحصل؟
20 تعليق
التعليقات
-
إلى أبن الهرمل ؟؟؟وأنا أبن دمشق ...وعايشت عهد الأستقلال وصولا إلى عهد الوحدة مرورا بعشرات الأنقلابات العسكرية التي دفعت بالرئيس شكري القوتلي إلى توقيع معاهدة الوحدة مع الرئيس عبد الناصر قائلا له : سلمتك شعبا لايحب أن يحكم نفسه ولايحب أن يحكمه أحد !!! وطبعا سقطت الوحدة كما سقط الكثير من الرؤساء في سورية على مدى 24 عاما ولم تستقر سورية إلا في عهد الرئيس حافظ الأسد .. أقام المدارس والمؤسسات وأعاد للدولة هيبتها وكيانها ... ولكن السؤال هو أخي الكريم : هل توجد ديموقراطية حقيقة عندكم في لبنان ؟؟؟ لأنني لم أر إلا الوجوه ذاتها تتكرر بالوراثة.. ولاماء ولاكهرباء ولاتعليم مجاني حقيقي حتى ولاهواء نظيف بوجود عشرات الآلاف من المولدات الكهربائية !!!
-
أنا استغرب كيف أنك لا ترى في سورية مقاومة على الظلم!يا أستاذ أمين، أنا إبن الهرمل، من حي الوقف ، ولدت وترعرعت في بيروت وكنت وما زلت من داعمي المقاومة في حربها على ظلم المحتل الإسرائلي. أنا استغرب كيف أنك لا ترى في سورية مقاومة على الظلم! انك فقط تعتبر هذه الحرب هي حرب الأخرين على أرض سورية، وتتجاهل أن شعباً سورياً مقموعاً منذ 41 سنة قد إنتفض ليسترجع حريته التي سلبتها منه عائلة الأسد وعصاباتها! أنت تعرف أن في سورية ظلم، أنت تعلم أن النظام في سورية نظام قمع وقتل وهجر العديد من السوريين حتى يحيى ويعيش. لا يجوز أن تحقر هذه الثورة وتعتبرها أفغانستان ثانية! أرجو أن لا تغلب انتماءك الطائفي على الحقيقة التي لا تريد أن تعترف بها!
-
"ما الذي سيحصل؟" ... سيحصل"ما الذي سيحصل؟" ... سيحصل تعليق باسل من ثلاث أجزاء وعدة تعليقات تمدح التعليق الباسل ...
-
طيب وشو يعني؟عندما يخلع المجرم قفازاته يعني أنه بدأ يفقد أعصابه, وهذا أول طريق الهزيمة, هذا بالضبط ما حصل مع الولايات المتحدة عندما قررت إحتلال العراق..
-
"فما الذي سيحصل؟" ... سينتصر"فما الذي سيحصل؟" ... سينتصر النظام وتهزم المؤامرة الكونية. مش دايماً بيطلع معك هيك؟
-
ان ما سيحصل هو معركة ضروسان ما سيحصل هو معركة ضروس يهرم منها الكبير ويشيب منها الصغير فالنار الاتية لا تبقي ولا تذر معركة نفوذ ووجود وتفاسم واطماع والمسكين فيها هو ابن هذه المنطقة منطقة الخيرات المسلوبة القدرات فعلينا الالتفات الى ما يحاك للبنان وسوريا والعراق وايران علينا ان كون اكثر حذرا واكثر تكاتفا كي لا تطبق علينا شريعة الغاب
-
استياء المواطن السوريالمواطن السوري مستاء تماماً من الموقف اللبناني، هم يريدون النأي بالنفس عن المواقف السياسية، لكن المواقف الأمنية وتهريب السلاح والمخربين والمجرمين من لبنان إلى سوريا هل يريدون النأي بالنفس عنه، هل أنتم في لبنان تخافون من السعودية وقطر إلى هذا الحد، أين مواقف الشرفاء من الشعب اللبناني ونحن نعلم جيداً بأنهم الأغلبية في لبنان الشقيق، لكن الشعب السوري تضرر كثيراً من الموقف اللبنانية ومن تهريب السلاح والمخربين والمجرمين واستقبال الفارين من وجه العدالة في سوريا من المجرمين الذي أصيبوا في سوريا وتجري معالجتهم في بعض المستشفيات في لبنان، هل صحيح أن لبنان لا يستطيع أن يحمي حدوده ويمنع المجرمين من الدخول إلى سوريا مع أسلحتهم؟، الشعب السوري يريد موقف واضح ولا غبن فيه، وإلا على الدولة السورية أن تتخذ الموقف الذي يصب في صالحها حتى لو أدى ذلك إلى قطع العلاقات مع لبنان وإغلاق الحدود السورية اللبنانية إغلاقاً تاماً، فلا وقت للرحمة والمجاملات والشعب السوري يقتل يومياً
-
طيب على الأقل احكيلنا شوي عن الجهة الأخرىسلامة عينك الثانية استاذ ابراهيم مازلت مصرا" على تجاهلك لما يحدث على الضفة الأخرى. المريض أمامك على طاولة العمليات ينزف وأنت الطبيب المعالج ولا زلت تناقش أحوال ادارة المستشفى المتعثرة وكيفية حلها؟؟
-
عذرا فيروزفيروووز .. بـس اسمَـعِك بـكـرا الـصـبـح بدي خبرك: طـريـق الـنـحل مـاحـدا عـم يـستـرجي يـمـشي عـليه خـوفـآ مـن شـي عـبـوة نـاسـفـة والـبوسـطة يلي ع خـط کراجـات حـمـلايـا تـنورين عـم تـروح فـاضـية لأن فـي إشـاعـة إنـو مـفخخة والـنـاس صـارت کـلا عـاقـدة الـحاجـبين لأنو شـادي مـو بـس ضـاع کـمان استشـهد مـع جورج وعلي وعمر وحسن .. :( ... ... وتکسر الناي .. !! السيـارة مـا عم تـمشي مـو لأنو نـاقـصا دفش ..... لأنو ...ما ضل معنا حق بنزين ... ودروب الـهـوی انـقطـعت بـالدوالـيب الـمشتعلـة... وبـدل مـانـدق الـمهابـيج صـاروا يـدقـونا بـالـهاون !!! فلذلك أنـا قـررت حـالياً أعمـل مـتل حـنا السکران وضـل غـايب عـن الوعي بلکي بيجـي حـدا مـن الـحراش بيفيقـني وبـيقلي بـلـدي رجـعـت مـتل مـاکـانت .. و بـوعی ع صوتِك عـم تـغـنـي : شـــــآم مـا المــــجد أنـت المـــجد لـم يـغـــــب !!! ):):
-
و ماذا عنكم؟ما زلتم تكتبون و تتكلمون و كأنها معركة نظام! الذي يجري ليس صراع قبائل في ماليزيا يا أستاذ ابراهيم ... إصرار الرئيس الأسد على بقائه في منصبه هو في قمة التضحية من أجلي و من أجلك و من أجل كل الأمة حتى المضلل منها عن عمى مذهبي أو إيديولوجي أو حقد تاريخي. أنت أول من كتب في أول الأزمة عن الصفقة التي عرضت على الرئيس الأسد لو كان أمره شهوة سلطة لكان قبل بالصفقة. هذه حرب كونية علينا جميعاً, على كل آمالنا و أحلامنا التي انتعشت بعد انتصار تموز, "أدوات" "المهنية" الصحفية لا تنفع معها و لا ينفع معها إلا إعلام التعبئة الحربية, هل أنتم مستعدون؟ للعلويين الفخر و الإعتزاز إنهم يدفعون ثمن كرامة الأمة بأرزاقهم و أرواحهم, و لكن ماذا فعلت أنت و رفاقك من كيلة لإدريس لأبو خليل؟ أقول لك ماذا فعلتم, حاصرتموهم في زاوية المذهبية و عريتموهم من قوميتهم و وطنيتهم و جعلتم منهم حفنة مذهبية تدافع تدافع عن "نظام" تدّعون" إنه "قمعي" و "طائفي" و لم تعبأوا لأشهر طويلة بكل الحرب القذرة التي تشن على عروبتنا تحت عناوين كذابة منافقة و تبارزتم بالتنظير إن كانت "ثورة" خبز أو "ثورة" كرامة و الأكثر موضوعية فيكم قال إنها مؤامرة و لكن "النظام" وفر البيئة! أي بيئة و هل من بلد في العالم صمد كل هذا الوقت رغم التكالب الكوني عليه بالمال و السلاح و الإعلام لو لم يحصن نفسه؟ سوريا ليست على حدود إندونيسيا و الحرب ليست عليها فقط, هل أنتم مستعدون؟
-
الحكمه والتمعنأنجب الاتحاد السوفياتي العظيم شبلا أصبح أسدا. أنا أطمئن نفسي أن لدينا الآن أسدين. بارك الله لنا في شامنا وألهم السوريين الحكمه للتمعن في سؤالك "فما الذي سيحصل؟"
-
اين الدولةهل اصبح لبنان ولاية خاضعة للنفوذ السعودي عيب على دولتنا ان تفرط بامننا