خاص بالموقع - حين يعيد الرئيس الأميركي باراك أوباما أخيراً الزعيمين الإسرائيلي والفلسطيني إلى طاولة المفاوضات هذا الأسبوع، لن تكون هذه أكبر خطواته في عملية صنع السلام في الشرق الأوسط وحسب، بل وأكثرها مجازفة أيضاً. ففي عام يشهد انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس الأميركي، يضع أوباما مكانته كرئيس على المحك، بمحاولته دفع عملية السلام في الشرق الأوسط رغم التشكّك الواسع في فرص نجاحه، في ما فشل فيه الكثير من أسلافه.
والجمع بين الجانبين في واشنطن لاستئناف المحادثات المباشرة والالتزام بمحاولة طموحة لصوغ اتفاق للسلام في غضون 12 شهراً يزيدان المخاطر بالنسبة إلى أوباما في التعامل مع واحد من أكثر الصراعات المستعصية في العالم.
يقول ستيفن كوهين رئيس معهد السلام والتنمية في الشرق الأوسط «أوباما يبعث برسالة مفادها أنّه مستعد لوضع رأسماله السياسي على الطاولة... والسؤال هو هل الأطراف الأخرى مستعدة للمجازفة بأي شيء».
ويرى محللون أنّ دبلوماسية الشرق الأوسط التي جددها أوباما قد تكون لها تأثيرات أوسع نطاقاً على جهوده لعزل إيران التي تتخذ موقفاً نووياً يتّسم بالتحدي، ولتحسين علاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي.
غير أنّ ما يجعل منها مقامرة في الداخل هو أنّ أوباما يلقي بثقله قبل انتخابات التجديد النصفي في الكونغرس الأميركي في تشرين الثاني ومسعاه للفوز بولاية رئاسية ثانية في عام 2012.
وفي موسم سياسي تهيمن عليه المخاوف الاقتصادية، فإنّ إحراز تقدم دبلوماسي في قضية الشرق الأوسط سيكون إضافة إلى رئيس فاز بجائزة نوبل للسلام عن براعته في إلقاء الخطب أكثر من قيامه بإنجازات ملموسة ولا يزال يسعى جاهداً لاكتساب صدقية على صعيد السياسة الخارجية.
لكن سيكون على أوباما الذي يعاني من انخفاض معدلات التأييد له وسط قلق جماهيري من الاضطرابات الاقتصادية أن يخطو خطواته بحذر. وعليه أن يحذر من أنّه إذا ضغط على إسرائيل بشدّة لتقدم تنازلات، فإنّه يجازف بإغضاب القاعدة العريضة الداعمة لها بين الناخبين الأميركيين.
أما إذا انهارت جهود السلام كما حدث كثيراً من قبل، فإنّ منتقدي أوباما من الجمهوريين سيتهمونه لا محالة بأنّه يعد بأكثر مما يستطيع أن يفي.
وما يبرز صعوبة التحديات احتمال تعثّر المفاوضات في 26 أيلول، حين ينتهي التجميد الجزئي للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة الذي أعلنته إسرائيل لمدة عشرة أشهر. ومع تعهّد الفلسطينيين بالانسحاب من المفاوضات ما لم يُمدّد التجميد، يعمل مساعدو أوباما على قدم وساق.
لكن مجرد العودة إلى المحادثات المباشرة للمرة الأولى منذ 20 شهراً يمثّل إنجازاً هشّاً لإدارة أوباما التي تعثّرت حتى وقت قريب في طريق دبلوماسية الشرق الأوسط ولم يظهر من جهودها الكثير.
وكان أوباما قد تعهد بمعالجة الصراع في بداية تولّيه الرئاسة، وبأن يظل معنياً بالأمر على النقيض من سلفه جورج بوش الذي اتهم على نطاق واسع بإهمال القضية خلال معظم فترة حكمه. وتعدّ إدارة أوباما خطوات السلام ضرورية لحشد الدعم العربي في مواجهة نفوذ إيران.
ولإطلاق العملية، يستضيف أوباما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس في اجتماعين منفصلين يوم الأربعاء، تعقبهما مأدبة عشاء يحضرها الرئيس المصري حسني مبارك والملك عبد الله عاهل الأردن.
وسيجتمع نتنياهو وعباس معاً يوم الخميس مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، التي أكدت الأسبوع الماضي أنّ من الممكن حلّ جميع القضايا الرئيسية خلال عام باتفاق على إقامة دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل.
وبعد عقود من العداء والدبلوماسية الفاشلة، يشعر الإسرائيليون والفلسطينيون، على حدّ سواء، بتشاؤم شديد، ويتفق المحللون على أنّ احتمالات تحقيق السلام في هذا الإطار الزمني الضيق ضعيفة.
ويتشكّك بعض الخبراء في الحكمة من محاولة تعجّل المفاوضات بشأن قضايا حساسة مثل مستقبل القدس، ويذكرون كيف ساعد انهيار محادثات السلام في نهاية عهد إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون في إذكاء الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
ويحاول البيت الأبيض الذي يعي هذه المخاطر ألا يعلّق الكثير من الآمال على المحاولة الجديدة لتحقيق السلام. ولا يتوقع أحد انفراجة سريعة في المفاوضات، وينبّه مسؤولو الإدارة الأميركية إلى أنّ محاولة إقرار السلام في غضون عام مجرد هدف وليست مهلة.
ولن يكون هناك الكثير من المظاهر الاحتفالية التي صاحبت مؤتمر أنابوليس الذي شاركت فيه 44 دولة عام 2007، حين قام بوش بمحاولة أخيرة لتحقيق السلام في العام الأخير من ولايته، ولم تسفر عن شيء في نهاية المطاف.
غير أنّ الخبراء لا يقلّلون من شأن قمة أوباما. وقال أنتوني كوردزمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن «ليس هناك حلّ سحري سريع، لكن قيام الرئاسة بدور واضح يمكن أن يساعد في إعطاء قوة دفع».
لكنّ هناك إجماعاً على أنّ نتنياهو وعباس لم يأتيا إلى طاولة المفاوضات نتيجة انحسار الخلافات، بل لأنّ كلاً منهما لا يريد أن يعدّه أوباما هادماً للذات ومفرّقاً للجماعات.
وستكون مساحة المساومة أمام نتنياهو محدودة بسبب شركائه المؤيّدين للاستيطان في ائتلافه الحاكم، كذلك فإن موقف عباس السياسي ضعيف بسبب سيطرة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) على قطاع غزة.
وقد يتعيّن على أوباما التغلّب على تساؤلات بشأن التزامه بمواصلة المشاركة في العملية، في وقت يواجه فيه بالفعل أولويات، بدءاً بارتفاع معدلات البطالة الأميركية وانتهاءً بالحرب التي تكتنفها المشاكل في أفغانستان.
ومع تكليف كبار المساعدين بالتعامل مع المهمات الصعبة، يتّسم موقف البيت الأبيض بالغموض في ما يتعلق بحجم الدور الذي سيضطلع به أوباما. وقال جون برينان مستشار أوباما لمكافحة الإرهاب «انخراط الرئيس ومشاركته في هذه المحادثات في المستقبل ستحدّدهما التطورات مع مضيّنا قدماً».
وثارت تكهّنات بأنّ أوباما قد يقوم العام المقبل بأول زيارة للمنطقة منذ تولّيه الرئاسة، إن كان هذا قد يفيد في الحصول على تنازلات.
لكن لم يتضح بعد إذا كان أوباما سيؤدي الدور المكثّف المؤثر الذي أدّاه كلينتون في بداية ولايته الرئاسية ولم يتمخض عنه شيء، أو أنه سيطرح من جانبه خطة للسلام إذا فشلت الخطط الأخرى.
(رويترز)