افتتاح المؤتمر الدولي للمعهد العربي للتخطيط
محمد وهبة
يتفرّد رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بتقرير السياسة الاقتصادية للبنان والأدوات التي ستُستخدم في تنفيذ هذه السياسة، إذ أكّد أمس في افتتاح المؤتمر الدولي الثامن للمعهد العربي للتخطيط في فندق «راديسون» بعنوان «القطاع الخاص في التنمية: تقييم واستشراف» ممثَّلاً بوزير الدولة خالد قباني، أن «نظام السوق كأساس لتقدم المجتمعات وتنميتها خيار لا يجوز الرجوع عنه أو التشكيك فيه، وبالتالي لا بديل عن نظم السوق وأدواته»، مشيراً إلى أنه لم يعد في العالم اليوم «من يرفض الخصخصة لأسباب سياسيّة وعقيديّة، ولم تعد المخاوف من إيلاء المرافق العامة إلى القطاع الخاص مبرّرة».
لكن هذا الموضوع كان محور نقاش طويل في جلسات العمل التي عُقدت أمس، فقد طُرحت أسئلة متعدّدة وجدليّة عن هذا الموضوع، فما هو دور كل من الدولة والقطاع الخاص في عمليّة التنمية؟ وهل تسهم أدوات السوق «الجديدة» في هذه العملية؟ وكيف تؤدّي الدولة دور إعادة توزيع الثروات في ظل تحرير كامل للسوق؟

تحقيق الرفاهية؟

الأسئلة كثيرة ومتشعبة، إلّا أن قباني ممثِّلاً السنيورة حَسَمَ غالبية الإجابات، إذ رأى أن «الأزمة المالية العالمية جاءت اليوم لترسّخ الاقتناع المتزايد بأن الفسحة المشتركة بين المصلحة العام والمصلحة الخاصة، كبيرة وواسعة، ويمكن البناء عليها لتحقيق الرفاهية»، واستنتج استنتاجاً غير مباشر أن الفصل بين دورَي الدولة والقطاع الخاص يكون على أساس أن «الأولى تملك الأداة وتتولى التخطيط والتنظيم والمراقبة والثاني يملك الأداء، والقطاع الخاص يشغّل ويدير ويستثمر بفاعلية وإنتاجية».
وانتقد «من كان يرى، إلى الأمس القريب، تناقضاً وتضارباً بين فكرة التخطيط بما هي من المبادرات التي تختص بها الجهات الحكومية، وبين القطاع الخاص بما هو مبادرة فردية لا تخطط إلا لنفسها ولمصلحة القائم بها»، موضحاً الأشكال المعتمدة في الشراكة مثل BOT، والخصخصة، وPPP. ولفت إلى أن «الاتجاه في العالم كلّه هو إلى اعتمادها كلها أو بعضها كأحد مقوّمات عملية التنمية»، مشيراً إلى أن «وحدها بعض الأنظمة الأيديولوجية النادرة صامدة في ممانعتها هذا التوجه، وهي لا بد ستلين يوماً». واتهم «بالخطيئة» المتسرّعين في الاستنتاج بأن الأزمة بيّنت فشل آليات القطاع الخاص التي تعتمد على قوى السوق....

نتائج مخيّبة

لكن النقد البنّاء لِما حاول إشاعته جاء على لسان المدير العام للمعهد العربي للتخطيط عيسى الغزالي، إذ اعتمد الأخير على «النتائج المخيّبة للآمال بعد ثلاثة عقود من اقتصاد السوق المبني على زيادة دور القطاع الخاص في إطار برامج الإصلاح الهيكلي المعروفة، التي لخّصت النظرية الاقتصادية التقليدية في ما يتعلق بالتخصيص الأمثل للموارد الإنتاجية، فقد اشتملت هذه البرامج على سياسات تضمنت تحرير الأسواق، الترحيب بالاستثمار الأجنبي المباشر، تحرير حساب رأس المال في ميزان المدفوعات وعمليات الخصخصة...»، وهذه النتائج دفعت المعهد إلى إتاحة الفرصة لتقييم دور القطاع الخاص في التنمية واستشرافه.

الدولة النائمة: مرض هيكلي

وفي الورقة التي قدمها أستاذ الاقتصاد في جامعة ماك ماستر الكندية وعضو الهيئة الاستشارية العليا للمعهد العربي للتخطيط عاطف قبرصلي في جلسة العمل الأولى، بعنوان «الدولة مقابل السوق: ثنائية مزيفة»، تبيّن أن القطاع الخاص المحلّي غير قادر على القيام بدور التنمية، وبالتالي كيف يمكن أن تكون سياسات الدولة التنموية مبنيّة على التحول إلى القطاع الخاص تحوّلاً كاملاً؟ ولذلك رأى أن دور الدولة يمارَس من خلال إعادة توزيع الثروة التي لا يمكن أن تكون عادلة في ظل تحرير السوق تحريراً كاملاً، فيما الفساد جزء من اقتصاد السوق. وأوضح أن الدول المبنية على التجارة بناءً كاملاً لا يمكنها أن تصل إلى الدولة التنموية ويطلَق عليها اسم الدولة النائمة، وهذا يختلف تماماً عندما يكون الاقتصاد مبنياً على قطاعات أخرى صناعية وزراعية.
وتطرق النقاش في هذه الورقة إلى خصائص الدول الآسيوية ولا سيما العربية منها، فقد تبيّن أن لديها أعلى مستوى بطالة في العالم، وأعلى مستوى تفاوت في الدخل وأعلى مستوى تصدير لرأس المال إلى الخارح، وأعلى مستوى من خرق حقوق الإنسان... وحصّة العمالة الوطنية من الناتج قليلة جداً، وبالتالي هذا مرض هيكلي يجب معالجته عبر الانطلاق في الرؤية الاقتصادية من مصالح الفئات الاجتماعية.