رغم أن أضحية العيد يمكن أن تكون فداءً لأشخاص عديدين، إلا أنها عصيّة على الفقير الذي لم يعد قادراً على مجاراة أسعار المواشي في العراق
بغداد ــ الأخبار
بعد تجوال وتنقّل طويلين بين أماكن بيع المواشي، عثر المواطن «نون» على ثور سمين، لذبحه أضحيةً لوالده المتوفى قبل عام، ودفع مقابله مبلغ مليونين ونصف مليون دينار (2250 دولاراً)، رغم أن الثور لم يكن بالحجم الذي كان يطمح في الحصول عليه.
يعلّق أحد زبائن «القصاب» الذي باعه الثور على ذلك بقوله إن المبالغة بشراء هذا الثور الباهظ الثمن لغرض ذبحه يوم العيد أضحيةً لوالده ليس إلا نوعاً من التباهي، بينما رأى زبون آخر أن قدرة الموسر على شراء أضحية باهظة الثمن لا يعيبه، لأنه سيوزعها حتماً على عدد كبير من الناس، وستصل إلى الفقراء حصص أكبر من الأضحية الأصغر حجماً.
هذا هو مناخ العيد في العراق، حيث يقول «القصاب» عامر نعمان إن موسم بيع الأضاحي يبدأ بالنسبة إليهم منذ ذهاب الحجاج إلى مكة، وحتى صعودهم إلى جبل عرفات، وينتهي مع انتهاء أيام عيد الأضحى. إذ يبدأ موعد ذبح الأضاحي من بعد صلاة العيد، وحتى وقت زوال الشمس، أو يُؤجّل حتى اليوم الثاني أو الثالث، أو حتى الرابع. أما قبل ذلك أو بعده فليس أضحية.
ويؤكد ذلك إمام جامع الإسراء في بغداد، الشيخ خالد ياسين بقوله، إن «الأضحية عبادة، والعبادات لا بد أن يكون لها ميقات معلوم، أما تأخيرها إلى اليوم الثاني من العيد، أو حتى الثالث أو الرابع، فقد يعود بفائدة على ذابحها، ذلك أن اليوم الأول يزدحم حتماً بالذبح، ويحصل الناس على حصص من اللحم، أما في الأيام الباقية فقد يعجز الفقير عن شراء اللحم لعائلته أو لضيوفه، فيلبّي لحم الأضحية حاجته من دون شك».
وعن نوع «الذبيحة» يقول الشيخ ياسين، إنها قد تكون من الإبل أو الغنم أو الماعز أو البقر. ولا يرى ضرورة للمبالغة في سعر الأضحية، ويشترط بدلاً من ذلك اختيارها سمينة. ولا يجوز أن تكون الأضحية شاة عجفاء شديدة الهزال أو مشوهة، مشيراً إلى تضحية النبي محمد، له ولأهله، بكبشين فقط.
ويعود «القصاب» نعمان ليؤكد وجود أضاحٍ بأسعار خيالية، إذ تتراوح أسعار الغنم مثلاً بين 170 ألف دينار و350 إلى 400 ألف دينار، بينما تتراوح أسعار الأبقار بين 750 ألف دينار و3 ملايين، أما بالنسبة إلى العجول، فيصل سعر الثيران منها أحيانا إلى 4 ملايين دينار (مع التذكير بأن كل دولار يعادل1160 ديناراً عراقياً).
ويذكر نعمان وجود أشخاص يفضّلون ذبح الجمال، وخاصة الشيوخ الموسرين، في المحافظات الغربية كالموصل والجنوبية كالسماوة، ويصل سعر البعير في الوقت الحاضر إلى مليوني دينار أو أكثر من ذلك.
وتطلق العجوز أم ناجي حسرة، وهي تتحدث عن الأضحية، لأنها عاجزة تماماً عن أن تضحي لنفسها، وتدرك جيداً عجز أولادها عن أن يضحوا لها بعد وفاتها، فهي لا تملك ما يسد معيشتها أحياناً، ويعمل أولادها ما بوسعهم ليلبوا الاحتياجات اليومية لعائلاتهم.
لكن الشيخ حامد الزيدي، يلفت انتباه العجوز إلى تقسيم لحم الأضحية إلى ثلاثة أقسام: ثلث للمضحّي وأهل بيته، وثلث لجيرانه، أما الثلث الآخر فهو للفقراء، رغم أن التصدّق بها كلها على الفقراء أكثر ثواباً.
وينال الأطفال دائماً الحصة الأكبر من الاحتفال بطقوس العيد، فهم يعيشون لذة الاكتشاف، إلى جانب رغبتهم في استغلال كل لحظة من لحظات العيد بما يدل عليه من مرح وحيوية، لهذا يتحلّقون حول القصابين في أيام ذبح الأضاحي، حيث تُخَصَّص مساحة من الباحة الموجودة أمام باب الدار للذبح، ويستمتع الأطفال بتوزيع الحصص، أو نيل ما يجود به صاحب الأضحية عليهم من قطع اللحم لشيّها على حطب يجمعونه، أو على «المنقلة» المليئة بالفحم والجمر في طقس احتفالي يقربّهم من أجواء النزهات والرحلات. وتنطلق من تلك التجمعات رائحة الشواء، فتشيع في النفوس رضا وراحة لتنفيذ واجب ديني، ولتلبية حاجة الفقراء إلى اقتناء اللحم الذي لا يزور منازلهم أبداً.