معاريف ــ جاكي خوجي
الماضي يفيد أنه لا ينبغي الاستخفاف بصدقية الادّعاءات السورية؛ فدمشق تعرف جيداً كيف تتنكّر لمسؤوليتها عن اغتيال زعيم لبناني، لكنها ليست دولة تختلق من دون أساس ادّعاءات عن عملية إسرائيلية في أراضيها. والسبب في ذلك، بسيط: مثل هذه العملية تمثّل ضربة معنوية لشأنية سوريا، لذلك لا مصلحة لها في الكشف عنها. يضاف الى ذلك التقدير المحقّ بأن سوريا غير معنية بمواجهة مع إسرائيل، لهذا فإنها لن تبحث عن استفزازات عابثة.
ما معنى هذا الأمر؟ الأمر المحتمل بالتأكيد أن تكون الدولتان، أمس، قد وقفتا أمام ورطة رهيبة لم تتدهور، بأعجوبة، نحو الهوّة. سوريا مقتنعة منذ نهاية حرب لبنان بأن إسرائيل تخطط لحملة عسكرية ضدها لتعوض نفسها عن الفشل أمام حزب الله. عدم الثقة بين الدولتين كبير لدرجة أن السوريين يجدون صعوبة في تصديق مساعي السلام لحكومة (ايهود) أولمرت، ويشتبهون في أن هذه مناورة تضليلية. على أرضية هذا الشعور، هبط، أمس، حدث الطائرات. وقد أعلنت دمشق أنها تحتفظ لنفسها بحق الرد على اسرائيل. هذه مجرد ضريبة كلامية للجمهور العربي في سوريا وخارجها، والذي يطالب حكامها منذ سنين بجباية ثمن أليم من اسرائيل. بيد أنه بسبب طبيعة العملية، التحليق فقط في سماء سوريا من دون إصابات على الأرض، فإن يدي دمشق مكبلتان. في الشرق الأوسط المعاصر، الكلمات والتهديدات تحل أحياناً محل الأفعال. ورغم الإحساس بالاهانة، كان بوسع نظام بشار الأسد العضّ على الشفتين والصمت في أعقاب الحدث، لكنه فضّل الإعلان عنه. وهكذا، فقد لمّح لإسرائيل بأنها تجاوزت خطاً أحمر، بل وجبى منها ثمناً اعتبارياً على مستوى الساحة الدولية.
ينبغي لإسرائيل أن تشكر الأسد على ضبط النفس، بباقة ورد. حادثة الطائرات تجسّد بأفضل صورة هشاشة الوضع في الشرق الأوسط. وبشكل مأساوي، فإنها وقعت بعد نحو عشرة أيام فقط من بث حكومة إسرائيل رسائل التهدئة العلنية والإعلان صراحة أنها لا ترى احتمالاً لمواجهة عسكرية مع سوريا.