معاريف ــ مناحيم بن
لمـــاذا يمتـــدح أولمـــرت الأســـد على رؤوس الأشهـــاد؟

بخلاف الإعلام الإسرائيلي كله، الذي يستمدّ معلوماته من جماعات السرّ المطلق، التي تعد بعدم الإفشاء لأي أحد بشرط أن يطلعوها على الأسرار، أميل خاصة الى تصديق التقارير السورية العلنية في شأن عملية سلاح الجو الاسرائيلي في سوريا، وإلى عدم تصديق التسريبات الاسرائيلية التي تقطر علينا عبر صحف العالم بحيلة اعلامية لم يسبق لها نظير ترمي الى تمجيد الحكومة والجيش الإسرائيليين، أو إلى عرض ورطة اختراق سوريا، التي ربما حصلت بناء على مادة استخبارية مشبوهة، بوصفها «إنجازاً». إن الأمر أشبه باعتقال المواطن حسن نصر الله في مستشفى في بعلبك خلال الحرب الأخيرة.
هناك من يلعب بالنار حقاً ويلمح إلى أن أيدي شباننا ربما كانت مشاركة في التفجير الغامض الذي حصل (قبل نحو شهر) في المنشأة الكيميائية السورية مع «عشرات من القتلى السوريين والايرانيين». هذه شائعة خطرة لا مثيل لها، قد تؤجج حرباً حقيقية، اذا كان فيها شيء من الصحة. لكن ما المشكلة؟ المهم أن ترتفع الأسهم الإعلامية لرئيس الحكومة ووزير الدفاع.
آمل جداً، على أي حال، ألا تكون هناك أي بصمات اسرائيلية في تفجير المصنع الكيميائي السوري، إذ ما الداعي الى إفشال إنتاج قنابل كيميائية جديدة والتعرض لخطر كبير خلال ذلك، فيما القنابل القديمة أُنتجت منذ زمن وهي تهددنا في الأصل؟
والحال كذلك أيضاً في مسألة «المنشأة الذرية السورية ـــــ الكورية الشمالية»، اذا وجد شيء كهذا. هناك أيضاً من يؤجج شائعات عن اختراق أرضي. لكنني أميل الى اعتقاد، أو الى الأمل على الأقل، ألا يكون أي هدف سوري قد هوجم، لا من الارض ولا من الجو في عملية لا داعي لها. كان يجب أن يكون واضحاً لإسرائيل أيضاً أن مهاجمة منشأة لتخصيب اليورانيوم في سوريا لن تغير أي اجراء استراتيجي ـــــ ذري. يمكن في الحساب العام تهريب منشأة جديدة الى سوريا. وكان يجب أن يكون واضحاً لإسرائيل أيضاً أن هجوماً أرضياً في سوريا، مثل هجوم أرضي في إيران، كان يمكن أن يفضي على نحو شبه مؤكد الى حرب. هل تريد اسرائيل حرباً مع سوريا؟ ومن أجل ماذا؟ هل لتحاول عرقلة خيار ذري ربما لم يكن موجوداً منذ البدء؟
لذلك، وعلى رغم كل الارتفاع الاعلامي الذي أفضت اليه العملية، أو الشائعات عنها، بالنسبة لمكانة اولمرت، قد يكون من المؤكد أن جميع هذا البريق المريب يستند في الحصيلة العامة إلى فقاعة من الهواء الساخن مع ذرة ضئيلة فقط من الحقيقة. وإذا كانت سوريا في الأصل ذات توجهات ذرية، فلماذا يمتدح اولمرت على رؤوس الأشهاد الاسد ويعلن أنه «يقدّره جداً»؟ أهكذا يتصرفون مع عدو كان قبل أيام فقط يتزود بالخيار النووي وقد يعود ويتزود به في الغد أيضاً؟
إن الفكرة المتبجحة المُسفّة بأن طائرتين أو ثلاث طائرات من طراز «اف 15» اخترقت سوريا قد منعت تزوّد دمشق بالخيار النووي تبدو لي غير معقولة على الاطلاق. أصدق، كما قلتُ آنفاً، سوريا في هذه القضية ولا أصدق جميع مراسلينا الهوج، الذين يكفي مجرد إشراكهم في السر المطلق للهجوم الذي ربما لم يحدث أصلًا، من اجل إسكات احساسهم النقدي إسكاتاً تاماً.