strong>يحيى دبوق
لا تخفي إسرائيل خشيتها من إقدام الإدارة الأميركية على حرف سياساتها في المنطقة لمواجهة ورطتها في العراق ومواجهة الطموحات النووية لإيران، بعدما أثبتت السياسات الأميركية المتّبعة حالياً فشلها، رغم محاولات تحسينها وشذبها

يقرأ الإسرائيليون منسوباً مرتفعاً من الإشارات الدالة على ضغوط أميركية متوقّعة عليهم لإجبارهم على تقديم ما يسمونه «تنازلات» للعرب والفلسطينيين لتحريك مسار التسوية وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، في محاولة لتحسين صورة الرئيس الأميركي جورج بوش وإدارته لدى «المعتدلين» العرب، الأمر الذي من شأنه أن يحسّن من فرص مواجهة أصل الورطة الأميركية في العراق، إضافة إلى حض «المعتدلين» على تكوين محور أميركي إقليمي لمواجهة طموحات إيران النووية.
وتأتي زيارة روبرت غيتس إلى إسرائيل، الأولى منذ ثماني سنوات لوزير دفاع أميركي إليها (بعد زيارة الوزير وليام كوهين عام 1999)، لتساهم في كشف منسوب الخشية الإسرائيلية من أي عملية تغيير استراتيجية تقدم عليها الإدارة الأميركية في المنطقة، وخصوصاً أن غيتس كان أحد المشاركين الأساسيين في تقرير «بيكر - هاملتون»، الذي دعا إلى محاورة إيران وسوريا وإيجاد حل للقضية الفلسطينية كمدخل ضروري لإنقاذ الأميركيين من ورطتهم في العراق، وهو ما يعدّ، إسرائيلياً، خطراً على الدولة العبرية وعلى وجودها أيضاً.
حاولت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية استصراح عدد من الكتّاب والمحللين الإسرائيليين واليهود الأميركيين، للوقوف على آرائهم وتعليقاتهم لمناسبة زيارة غيتس إلى إسرائيل، فكان منسوب الخشية والقلق لديهم مرتفعاً جداً، وخصوصاً في ظل قيادة إسرائيلية لم تعد محل ثقة الأميركيين والإسرائيليين على حدّ سواء، بعد عجزها عن تحقيق النصر على حزب الله في الحرب الأخيرة، بالأصالة عن أنفسهم وبالوكالة عن الأميركيين. وجاءت إجابات هؤلاء المحللين كالتالي:
توبنوقال توبن إن «على حكومة رئيس الوزراء إيهود أولمرت، أن تعمل على إبقاء المسافة التي تفصلها عن الولايات المتحدة، قصيرة وفي حدها الأدنى قدر الإمكان، ويعني ذلك أن عليها أن تلتزم الصمت لدى اتخاذ الإدارة الأميركية لمبادرات دبلوماسية لا تكون بالضرورة متّسقة مع المصالح الأمنية لإسرائيل. فإحاطة المشاكل بالأميركيين في العراق، وحاجتهم إلى المحافظة على حلفائهم المعتدلين في المنطقة، تتسببان بتفوهات وتصريحات واتخاذ مواقف لا تتماشى مع رغبات إسرائيل. لكن يجب القول إن هذه المواقف المؤسفة، ليست بالضرورة مواقف سيئة جداً، طالما أن الأميركيين يدركون وجود مستويات من المحظورات ينبغي عدم المرور عليها والقفز من فوقها».
وتابع المحلّل الإسرائيلي إنه «رغم كل ذلك، فإن درجات التعقّل والحنكة السياسية المطلوبة، لا يمكنها تجسير الهوة بين مبادرات كتلك المسماة خطة السلام السعودية وحاجة إسرائيل إلى الدفاع عن نفسها وحقها في الوجود. من هنا، على الزعماء الإسرائيليين أن يوضحوا لوزير الدفاع الأميركي وأي مسؤول أميركي آخر، أنه لا يمكنه أن يسمح لنفسه بأن يتسبب بتسليك مفاوضات مضرّة، لمجرد أنه يريد إظهار الود للسعوديين، أو لأي طرف آخر».
وأضاف توبن «على الرغم من التفاؤل المصطنع في ما خص بعض المبادرات المطروحة، إلا أنها عاجزة من ناحية عملية على تحريك حلّ وإيجاد نتائج ايجابية. ففي الوقت الذي يُفضَّل فيه أن لا تقدم الولايات المتحدة على السير في هذا الاتجاه، من المهم أن تدرك أيضاً أن الإسرائيليين ليسوا في موقع ضعيف جداً كي يسمحوا لها بأن توجههم إلى حيث لا يريدون. لكن المعضلة الحقيقية التي تعانيها إسرائيل هي المكانة المنخفضة لإيهود أولمرت، سواء داخل إسرائيل أو في الولايات المتحدة».
ورأى توبن أن «رئيس الحكومة الإسرائيلية يحتاج إلى ما يرفع مكانته لدى الجمهور، وهذا واضح جداً، إلا أن ما يقف في طريقه أن مكانته قد تضرّرت كثيراً منذ حرب حزب الله في الصيف الماضي، بل إن إدارة بوش قد فقدت ثقتها به. هذا الواقع يدفع الحكومة الإسرائيلية، كنتيجة لذلك، إلى أن تقلّل من مقاومتها لمبادرات السلام الخرقاء، بل أضعفت قدرتها على مواجهة واشنطن والتمسك بالرفض عند الضرورة».
فراند
مايكل فراند، مؤسس ومدير مركز «العودة إلى إسرائيل» في القدس المحتلة، حضّ المسؤولين الإسرائيليين على التركيز على الخطر الإيراني. وشدد على وجوب العمل على صد إيران قبل فوات الأوان.
وقال فراند «مع تواصل المساعي الإيرانية لحيازة السلاح النووي واقتراب خطى طهران منها، لا شك أن على المسؤولين الإسرائيليين أن يركزوا على الخطر الإيراني خلال محادثاتهم مع الأميركيين. وإذا كانت الأشهر المقبلة، كما يبدو، ستشهد اتقاداً للمواجهة مع آيات الله وترتفع إلى أعلى سلم الأولويات، فيبدو أيضاً أن الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد يرغب بشدة في صناعة القنبلة الذرية». وأضاف «إنْ أخفقت الدبلوماسية في ردع الإيرانيين، فلدى إسرائيل والولايات المتحدة خيار المباشرة في الضربات العسكرية لإحباط مشاريع إيران الخطرة ومنعها من مواصلة طموحاتها».
ورأى فراند أن «زيارة وزير الدفاع الأميركي لإسرائيل تعدّ فرصة ممتازة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل كي تعملا من ناحية عملية على التخطيط لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، وآمل أن تكون المسألة في صلب المناقشات والمحادثات التي يجريها غيتس، إذ ليس هناك من تهديد على وجود إسرائيل وعلى مستقبل الحضارة الغربية، أكثر خطورة من أن تكون إيران نووية».
وقال «تتطلب مواجهة إيران الكثير من الشجاعة السياسية والحنكة الدبلوماسية، إضافة إلى القوة النارية العسكرية المطلوبة لصدها، وعلينا أن نوقفهم قبل فوات الأوان».
دافيد
كاليف بن دافيد، كاتب في صحيفة «جيروزاليم بوست»، يعدّ من الكتّاب الواسعي الاطلاع في الشؤون السياسية والعسكرية في إسرائيل. قال «يجب أن نذكر أن غيتس كان أيضاً عضواً في مجموعة بيكر ـــــ هاملتون لدراسة المسألة العراقية، التي ربطت بين القتال في العراق وحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. في هذا السياق، يجب على المسؤولين الإسرائيليين أن يؤكدوا أن عملية الربط بين العراق والمسألة والنزاع مع الفلسطينيين هي عملية غير مجدية وغير مفيدة». وأضاف إن «القوى التي تحارب القوات الأميركية في العراق تنطلق من منطلقات خاصة بها، ولا يربطها شيء بما يجري في إسرائيل. وبالتالي فإن أي عملية ضغط على الدولة العبرية لتقديم تنازلات على أمل أن يؤدي ذلك إلى سلام في بغداد، هو أمل كاذب وسيؤدّي فقط إلى إحباط في المكانين معاًَ».
وتابع دافيد «غيتس كان أيضاً محامي الدفاع عن المفاوضات مع سوريا وإيران. ويجب على المسؤولين الإسرائيليين أن يضغطوا على الوزير لإفهامه أن دعم دمشق للمجموعات الإرهابية، كدعمها لحماس وللجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتواصل رفدها حزب الله بالسلاح وانتهاكها لقرار مجلس الأمن 1701، إضافة إلى إحجامها عن التعاون في التحقيق الدولي بمقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، يحول دون إجراء أي مفاوضات معها».
وأضاف الكاتب الإسرائيلي «وعلى المسؤولين الإسرائيليين أيضاً أن يُفهموا غيتس ومن دون مواربة، وجوب عدم الإقدام على إجراء مفاوضات مع الإيرانيين قبل موافقتهم على تعليق البرنامج غير الشرعي لتخصيب اليورانيوم، ذلك أن التواصل مع طهران في هذه المرحلة يؤدّي إلى إضعاف حملة العقوبات الاقتصادية عليها، التي بدأت في الأمم المتحدة ولدى بعض المؤسسات الدولية الخاصة، وهي حملة تعطي بعض النتائج والتأثير على عزيمة طهران واستمرارها في تحدي المجتمع الدولي وسعيها الحثيث لحيازة السلاح النووي».
باسكين
غيرشون باسكين، المدير المساعد للمركز الإسرائيلي الفلسطيني للأبحاث والمعلومات، ربط بين التعاطي الأميركي في المنطقة الذي يركز على الحرب من دون أي جهد يذكر على تحقيق السلام، داعياً إلى إعادة ترتيب أوضاع الأميركيين وحثهم على توظيف إمكاناتهم في إيجاد تسوية.
وقال باسكين «كان غيتس احد مؤلفي تقرير بيكر ـــــ هاملتون الذي ذكر بشكل صريح أن الولايات المتحدة تحتاج إلى استراتيجية خروج سريعة وواضحة من العراق. لقد تركت حرب الولايات المتحدة على صدام حسين المنطقة في اضطراب، وعدم استقرار أمني ملحوظ، كما تركت الشعب العراقي يقاتل بعضه بعضاً بشكل يومي». وأضاف «انخفاض منسوب الأمن وعدم الاستقرار في العراق لا يصب في مصلحة إسرائيل، كما لا يصب في مصلحة إسرائيل أي ارتباط شيعي عراقي بإيران، سواء من جانب جزء من الشعب العراقي أو جزء من إدارته، المدعومة من الولايات المتحدة».
وتابع باسكين «يدرك غيتس جيداً أن المنطقة في حاجة إلى إنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، رغم أن هذا النزاع ليس مصدر كل المشاكل في المنطقة، لكنه عامل واضح وبارز فيها، والمطلوب من الولايات المتحدة أن تبدي تصميماً أكثر مما تقوم به حالياً.
تصرف الولايات المتحدة مئتي مليون دولار يومياً في العراق، إضافة إلى أموال تصرف في افغانتسان وأماكن أخرى في العالم، لكنها لا تنفق شيئاً على السلام. في عام 1998، أنفقت الولايات المتحدة عشرة ملايين دولار على دعم مشاريع مدنية إسرائيلية فلسطينية لديها القدرة على التأثير في تقدم العملية السلمية، وإذا رغبت الولايات المتحدة في تحفيز السلام، فعليها تخصيص موارد أكثر للوصول إليه، كما عليها أن تركّز أكثر على العوامل الجوهرية التي تؤدي إلى السلام. وسؤالي إلى السيد غيتس: هل لدى الولايات المتحدة رغبة فعلية في إحلال السلام في المنطقة؟».
دورون
دانيال دورون، رئيس المركز الإسرائيلي للترقي الاجتماعي والاقتصادي، كاتب ومحلل؛ ركز على ضرورة عدم المساومة مع ما سماه «الإرهاب»، ووجوب عدم إجراء أي تسوية مع الطرف الآخر. وقال: «يجب على غيتس أن يسمع من المسؤولين الإسرائيليين التالي: لا تضغط علينا كي لا تتكرر الأخطاء الأميركية المميتة في العراق. لا تحاول الوصول إلى اتفاقات، هي بطبيعتها غير ملزمة، بين الراديكاليين وما يسمون المعتدلين وإجراء تسوية معهم. لا تسمح للخيارات المطروحة بأن تؤثّر وتعرقل الحرب على الإرهاب».
وتابع «الاعتقادات الطوباوية في عملية السلام الموهومة منعت النصر على الإرهاب مراراً وتكراراً. لقد أدت إلى نتائج دامية بين إسرائيل والفلسطينيين. والتخيلات الطوباوية المماثلة، التي يدمن عليها المسؤولون الإسرائيليون ووزارة الخارجية الأميركية، هي التي أثرّت في الاتجاهات الأميركية والوقوع في المشاكل في العراق».
وأضاف «قامت عملية أوسلو (كمسار سلام تسووي مع الإرهاب) بتحطيم عملية السلام التي كانت قد بدأت هنا ببطء، لكن بثبات ونجاح. تلك العملية التي قامت على أسس من التعاون الاقتصادي ونمو المجتمع المدني لدى الفلسطينيين، ذلك أن التقدّم الاقتصادي السريع الذي بدأ ينمو قبل اتفاق أوسلو وتأثيراته الإيجابية على نمط عيش الفلسطينيين، كان يشجع على إيجاد علاقات سلمية وكابحة للإرهاب. استيراد المنظمة الإرهابية (من تونس) والاعتقاد السخيف بقدرتها على محاربة الإرهاب، أديا إلى إيجاد قاعدة وحوش وديكتاتورية على الفلسطينيين، الأمر الذي سمح (للزعيم الفلسطيني الراحل) ياسر عرفات وإرهابييه بأن يحطموا كل تقدّم بني على السلام الاقتصادي، كما انه عمّق الفاقة والبؤس والغضب الذي أعيد توجيهه من جديد وبنجاح ضد إسرائيل، من خلال حملة دعائية معادية للسامية.
أقنعت النخب الإسرائيلية نفسها بأننا لا نستطيع أن ننتصر على الإرهاب من دون مساومة، لكن طريق قهر الإرهاب ما كان أبداً من خلال المساومة، الأمر كان كذلك من ثورة 1936 الفلسطينية حتى ثورة الألوية الحمراء (في ايطاليا)، والنصر كان دائماً من خلال الحرب. هذا درس على الولايات المتحدة أن تتعلّمه بشكل مؤلم في العراق، وعلى إسرائيل أن تتعلمه بتكلفة عالية، ومن جديد».