مع مرور عقدين على انقلاب ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة على مشروعه السياسي بذريعة «الإصلاح»، هبّت عاصفة انتفاضة 14 شباط/ فبراير 2011 في وجه الانقلاب الملكي على الدولة، ليبدأ صراع البقاء بين طرفين: شعبٌ مسالمٌ أعزل يطالب بحقوقه السياسية والمدنية، وسلطة مدجّجة بمختلف وسائل القوة. على مدى تسع سنوات منذ انطلاق «ثورة فبراير»، تعدّدت سُبل المواجهة وآلياتها، وفي المقابل استراتيجيات الحكم الفاشلة في محاولة إطلاق الرصاصة الأخيرة على رأس الحراك الشعبي المستمرّ. استراتيجيات لعلّ أبرزها وأكثرها خطورةً التحالف مع إسرائيل على أمل البقاء. بخطىً أسرع من حوافر خيول نجله ناصر بن حمد آل خليفة، المتورّط هو الآخر في انتهاكات لحقوق الإنسان ضدّ المعارضين، يهرول الملك نحو أحضان الكيان الصهيوني، بعد نيله «وسام» احتضان بلاده لمؤتمر تصفية القضية الفلسطينية، نظير دعم بقائه على رأس نظام الاستبداد. مشروعُ أسرلةٍ بدأ منذ أكثر من عشرين عاماً، ولا يزال ممتدّاً إلى اليوم، حيث تحتشد شواهد وأدلة كثيرة عليه. من اللقاءات السرية مع كبار الحاخامات الإسرائيليين وأكثرهم تشدّداً، وكبار شخصيات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، إلى الانتقال تدريجياً إلى التطبيع الاقتصادي بأعمال مشتركة في مجالَي الاتصالات والعلاقات العامة لتلميع صورة النظام أمام المجتمع الدولي، مروراً بدخول جهاز الموساد الإسرائيلي على خطّ التعاون الأمني وتبادل الخبرات بين الجانبين، وصولًا إلى الزيارات العلنية المتبادلة تحت شعار «التسامح بين الأديان والتعايش السلمي»، والتي يشرف عليها المستشار الخاص لملك البحرين، الحاخام الإسرائيلي مارك شناير، الذي قد يغدو مستشاراً إقليمياً لعدد من حكام دول الخليج، تنفضح شيئاً فشيئاً خيوط العلاقات مع العدو. علاقاتٌ ربما تسلك سبيلها إلى العلن في «أقرب فرصة ممكنة»، وهو ما بات يهمس به الملك بحماسة في الفترة الأخيرة، بحسب ما ينقل عنه شناير في أحاديثه المتكررة إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية.
يواجه ملك البحرين الرفض الشعبي لسياساته القمعية والتطبيعية، ولمشروع أسرلة الدولة الماضي على قدمٍ وساق، بتسخير مؤسساته القانونية والتشريعية المستحوَذ على قراراتها، لصالح تلك المواجهة. فالبرلمان البحريني، على سبيل الذكر لا الحصر، بات يشبه «الكنيست» الإسرائيلي، لناحية العمل على قطع الطريق أمام أيّ حراك معارض مطالِب بديمقراطية حقيقية، تماماً مثلما يقطع «الكنيست» الطريق على أيّ نشاط سياسي وفكري يقوده فلسطينيو الـ48، بإقرار جملة من القوانين الرامية إلى تكريس «يهودية الدولة»، والحدّ من التزايد الديموغرافي للفلسطينيين، وقمع نشاطهم السياسي التغييري. أما في البحرين، فتُشرَّع القوانين الرامية إلى «تطييف الدولة»، ودعم البنية الاستبدادية، وترسيخ مشروع التجنيس السياسي لتغيير الهوية الديموغرافية للبلاد. وقبل ذلك، يكفي هذا البرلمانَ أن رئاسته أضاعت البوصلة مبكراً، لدى اعترافها بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين.
* صحافي بحريني