«جبهة النصرة» وتنظيم «الدولة الإسلامية» يتشاطران خطاباً واحداً لأول مرة منذ اندلاع «الحرب الأهلية الجهادية» بينهما. يعود «الفضل» في ذلك إلى الضربات التي تشنها «قوات التحالف» ضد التنظيمين داخل سوريا. هكذا بدت الصورة أمس، بعد نشر كلمة صوتية جديدة لزعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني، وحملت تهديداً بـ«نقل المعركة إلى الغرب»، الأمر الذي كان المتحدث الرسمي باسم «داعش» أبو محمد العدناني قد هدّد به قبل أيام.
وعلى النسق ذاته، اختار الجولاني مخاطبة الرأي العام الغربي، مُذكّراً «شعوب الغرب بحماقة قادتها في اختيارهم الحرب على المسلمين»، ومكرراً الحديث عن التجربتين الأفغانية، والعراقية، حيث «امتدت قاعدة الجهاد بعد ضربها في أفغانستان إلى باكستان، واليمن، والصومال، ومالي، والجزائر، والعراق، ثم إلى الشام»، رغم أن «أفغانستان لا تضاهي الشام بحساسية موقعها الجغرافي والتاريخي، فماذا سيحل بعد غزو الشام يا ترى؟». الجولاني، ذكّر أيضاً بـ«أهوال الحادي عشر من سبتمبر، والمدمرة كول وتهديد مصالح الغرب المنتشرة في المنطقة»، وأكّد أن «حرب الوكلاء» لن تحول بين شعوب الغرب، وبين «دفع فاتورة الحرب، التي ستكون باهظة (...)، ما يسبب لكم أزمات اقتصادية فادحة». ولم يفت زعيم «النصرة» أن يعزف على وتر تذكير شعوب الغرب بعدد قتلاهم وجرحاهم في العراق وأفغانستان والصومال، وقال «حذار أن يستغفلكم قادتكم بأن جنودكم لن ينزلوا الأرض وسيضربون من بعيد. وأن أبناءكم سيكونون في مأمن من ضربات المجاهدين، بل إن هذا ما سينقل المعركة إلى قلب داركم...»، ليخلص إلى دعوتهم إلى معارضة قرار الحرب: «عليكم أن تقوا أنفسكم من الحرب بالوقوف ضد قرار حكامكم». على أن الجولاني كان حريصاً على تأكيد عداء «جبهته» لـ«داعش»، محملاًً الأخير مسؤولية «توفير المبرر للتدخل العسكري».
الضربات كانت موجعة للجبهة وألحقت بها خسائر مؤثّرة
كذلك أرجع الضربات الأميركية القائمة إلى «سعي أميركا منذ اندلاع التظاهرات في الشام وبروز راية الجهاد وحمل السلاح في وجه النظام، لإجهاض العمل الجهادي»، وكان حريصاً في هذا السياق على مهاجمة «الائتلاف السوري المعارض» الذي كان «محاولة لصنع قادة سياسيين لتسويدهم على أهل الشام، فيطبقوا أجندة الغرب سامعين طائعين بعد النصر الذي سيحرز على أيدي المجاهدين». ولم يوفّر المتحدث أنظمة المنطقة من التهديد، إذ «كل هذه الأنظمة تخشى أن تفقد آخر رمق من سيطرتها على شعوبها، وهذا ما سيحدث بالضبط بعد الغزو الغربي الجديد للمنطقة». وبدا لافتاً أن الجولاني حرص على توسيع نطاق التهديد، ليشمل منطقة الشرق الأوسط بأكملها، مكرراً وصفها بمنطقة البراكين والزلازل، ومهدداً بأن «أي تدخل عسكري ضد المسلمين سيثور مقابله بركان من شعوب المنطقة في لبنان والأردن وفلسطين والجزيرة واليمن ومصر وشعوب المغرب وشرق آسيا». وخصّ زعيم «النصرة» الشأن اللبناني بوقفة وافية، هاجم فيها حزب الله والجيش اللبناني، ودعا «أهل السنة في لبنان» إلى أن «يحذوا حذو إخوانهم في الشام»، فينقضّوا على حزب الله «الذي يمكر بهم ليل نهار». ورأى أن حزب الله قد «جرّ لبنان إلى صراع داخلي طالما حذر منه العقلاء (...) ولم يتّعظ بالمفخخات التي ضُربت في عقر داره في الضاحية الجنوبية». ودعا «أهل السنة» إلى تحريض أبنائهم على الانشقاق عن الجيش اللبناني، والانضمام إلى «المجاهدين»، بعدما «تبين للجميع بعد أحداث عرسال وقبلها أن الجيش اللبناني يخضع لهيمنة الحزب ويأتمر بأمره»، وأن الحزب يُسخّر الجيش «لخدمة المشروع الرافضي في لبنان». وفي اعترافٍ لافتٍ، أكّد الجولاني أن ضربات التحالف كانت موجعةً لجبهته، وألحقت بها خسائر مؤثرة، «إن الضربات التي يستهدفنا بها الحلف الصليبي ستضعف خطوط رباطنا مع النظام النصيري، وإن الذين استهدفهم من رجالنا بالقصف تشهد لهم ساحات حلب برباطهم وقتالهم، وأثر خسارتهم سيعود على الساحة برمتها لا على الجبهة فحسب». كما دعا «أهل الشام» إلى مهاجمة «من تحالف مع عبدة الصليب من بني جلدتنا» في إشارة إلى المجموعات المسلحة التي يُنتظر أن تنضمّ إلى التحالف، مؤكداً في الوقت نفسه أن «الحلف الصليبي يريد النيل من انتصاراتكم ضد النظام ويسعى إلى إعادتكم الى كنف بشار». وكان لباقي المجموعات المسلحة نصيبٌ من كلمة زعيم «النصرة»، انطوى على «نصح وتحذير»، من أن «يستغل الغرب ظلم جماعة الدولة عليكم وأنها قد استعجلت شراً على الشام كنا ندفعه (...) فلا يدفعن أحد منكم للانقياد خلف الغرب ومشاركته في حلف الشر»، معتبراً أن الحلف يسعى «للقضاء على جذوة الجهاد، وتسخيركم لمشروع علماني، أو تهجينكم مع النظام النصيري بتسوية سياسية بعد إنهاء المراحل الأولى من أهداف الحملة». ودعا من يرغب «بدفع صائل جماعة الدولة أو غيرها إلى القيام بذلك دون أن يكون شريكاً في التحالف الصليبي». وفي عودة إلى تماهي الخطاب مع خطاب العدناني، أكّد الجولاني أن هذه المعركة ستكون الأخيرة، وستنتهي بهزيمة الغرب، فخاطب جنوده بالقول إن «الحرب التي يخوضها الغرب في الشام خاسرة لهم ومربحة لنا (...) ولو ذقنا منها بعض الألم. واعلموا أنكم لن تلقوا بعد هذا العدو عدواً مثله، وما بيننا وبينهم إلا جولة جائل ثم نتركهم صرعى»، داعياً إياهم إلى «تعاون الفصائل الصادقة»، و«الحذر من الفصائل العميلة المتحالفة مع الصليبيين الجدد».

الغارت تستهدف حقول الغاز

تواصلت أمس غارات قوات «التحالف» في أرياف الرقة وحلب والحسكة ودير الزور، مع التركيز على استهداف مصافي النفط. فيما سُجل في وقت متأخر من ليل أمس أول استهداف جوي لمنشآت الغاز السوري. مصادر «جهادية» أكدت عبر «تويتر» أن غارة ليلية قد استهدفت معمل غاز كونيكو في خشام بريف دير الزور الشرقي، والواقع تحت سيطرة تنظيم «الدولة». وعلى صعيد متصل، قام تنظيم «الدولة» بإعدام «شرعيّ ولاية الخير». وقال «المرصد السوري لحقوق الانسان» المعارض إن «الشرعي» أبو عبد الله الكويتي، أعدم في بلدة معدان الواقعة في محافظة الرقة على الحدود الادارية مع محافظة دير الزور بتهمة «العمالة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية».




الحرب طويلة

«النصرة» كانت قد استبقت كلمة زعيمها بتهديد على لسان الناطق الرسمي باسمها، أبو فراس السوري. وعلى نهج زعيمه، هدد بنقل المعركة إلى دول التحالف، متوعداً بـ«الرد في جميع أنحاء العالم».
وفي شريط مصور، وصف المتحدث ضربات التحالف بأنها «حرب على الإسلام»، وأكد أن «التحالف محور للشر، متمثل في التحالف الصهيوني البروتستانتي، بقيادة دولة رعاة البقر».
كما وصف الدول العربية المشاركة فيه بأنها «دول الإماء والعبيد». وكان لافتاً أن كلام المتحدث تساوق مع تصريحات بعض الساسة الغربيين، في شأن المدى الزمني المتوقع للحرب، فقال «نحن في حرب طويلة لن تنتهي بأشهر ولا بسنة ولا سنوات. نحن في حرب ربما تطول عقوداً من الزمن».