بدأت إسرائيل، أمس، فعاليات المناورة السنوية الكبرى للجبهة الداخلية، التي تهدف الى فحص مستوى جاهزية مواجهة حرب متطرفة تتساقط خلالها آلاف الصواريخ على إسرائيل، وسط تأكيدها أن المناورة لا ترتبط بسوريا، أو بتطوراتها أو بالتهديد منها. وفي مستهل جلسة الحكومة الإسرائيلية، أمس، أعلن رئيسها بنيامين نتنياهو البدء بفعاليات مناورة «جبهة صلبة 1»، وطلب من الإسرائيليين التجاوب معها، وقال إن «التهديدات قد تزايدت على الجبهة الداخلية في السنوات الأخيرة، إذ إن إسرائيل هي أكثر الدول في العالم تعرّضاً للتهديد الصاروخي، إلا أننا نستعد لمواجهة أي سيناريو محتمل».
وأضاف نتنياهو إنه «في السنوات القليلة الماضية، نشهد تحسناً كبيراً في استعدادات الجبهة الداخلية لمواجهة الاعتداءات، وسنواصل الاستثمار في هذا المسار، كي تكون الجبهة أكثر حماية وأكثر استعداداً»، مشيراً الى «وجود استثمار كبير في منظومات القبة الحديدية وصافرات الإنذار والملاجئ وتحسين أداء منظومات الإنذار المبكر، وسنقوم أيضاً بتغيير القوانين كي تتلاءم مع الواقع الأمني والتهديدات التي تنبثق عنه».
مع ذلك، حذر نتنياهو من التوقعات المفرطة لإجراءات الحماية، وأشار الى أن «من الصعب علينا أن نحقق تحصيناً مثالياً في إسرائيل، وفي نهاية المطاف، ليس بإمكان الحماية أن تكون بديلاً من القوة الضاربة للجيش الإسرائيلي، أو بديلاً من صمود الإسرائيليين وقوتهم، خلال تعرضهم للاعتداءات».
وكانت تل أبيب قد حرصت أمس على بث رسائل طمأنة وجّهتها الى الداخل والخارج، شددت فيها على أن مناورة الجبهة الداخلية، رغم أنها الأكبر والأوسع من المناورات الست التي سبقتها، فهي لا ترتبط بـ«التوتر القائم مع سوريا ولبنان»، فيما أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أنها «مناورة مخطط لها مسبقاً، وتأتي ضمن سلسلة التدريبات للعام 2013، ولا علاقة لها بما يجري من حولنا».
وأعلنت قيادة الجبهة الداخلية أن المناورة ستستمر حتى الخميس المقبل، يتخللها إطلاق صافرات الإنذار في كل المدن والمستوطنات الإسرائيلية، ويطلب من الجمهور لحظة سماعها التوجه مباشرة الى الملاجئ والغرف الآمنة، مشيرة الى أن المناورة تحاكي سيناريوهات تساقط المئات من الصواريخ التقليدية وغير التقليدية، وبصورة يومية على المدن والمستوطنات والمنشآت الحيوية، من لبنان وسوريا وقطاع غزة وإيران، كما تختبر المناورة مواجهة أوضاع صعبة تشهد إغلاقاً للمطارات المدنية وضرب المنشآت الاستراتيجية وتعطيلها، كمحطات توليد الكهرباء وأنظمة توزيع المياه والمستشفيات والمؤسسات التعليمية.
بدوره، أكد وزير الجبهة الداخلية، غلعاد أردان، أن سيناريوهات المناورة تلحظ أيضاً التدرب على مواجهة إطلاق صواريخ كيميائية ضد مدينة إسرائيلية، يسقط خلالها المئات من الإسرائيليين، لكنه أكد في المقابل أن هذا السيناريو نظري، وجرى إقراره في فعاليات المناورة بناءً على ضرورة الاستعداد لكل الاحتمالات الافتراضية، مشيراً الى أن استخدام السلاح الكيميائي أو غير التقليدي، من سوريا تحديداً، هو احتمال متدنّ ومنخفض.
وأضاف أردان في سياق مقابلة أجرتها معه القناة العاشرة في التلفزيون العبري، إن «الأعداء يدركون جيداً أن استخدام سلاح غير تقليدي ضد إسرائيل سيواجه برد قاس جداً».
وفي الوقت نفسه، أكد على «ضرورة أن يدرك الإسرائيليون جيداً أن الحروب المستقبلية لن تكون كالحروب السابقة أو تلك التي خبرناها جيداً في الماضي، لأن عشرات الآلاف من الصواريخ ستسقط على المدن الإسرائيلية، وأنا لا أقول ذلك لأدبّ الرعب في القلوب، لكن هذا ما سيحدث في المدن الكبيرة، وتحديداً في تل أبيب».
وكان تقرير صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية، أمس، الذي نقل عن مسؤول روسي، رفيع المستوى، أن إسرائيل وروسيا توصلتا الى تفاهم غير معلن، تمتنع تل أبيب بموجبه عن شن غارات في سوريا، مقابل امتناع موسكو عن تزويد النظام السوري بصواريخ اس 300، قد أثار ردود فعل إسرائيلية رافضة للتقرير، ومستنكرة مضمونه.
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصادر في تل أبيب، نفيها ما ورد في الصحيفة البريطانية. وشددت على أن «الخبر عار من الصحة تماماً، وهو مجرد فبركات إعلامية»، مشيرة الى أن «الحديث عن اتفاق جرى بين نتنياهو و(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، ليس إلا وهماً خالصاً». وقدرت المصادر أن «الروس يعملون على كسب الوقت ويستخدمون موضوع الصواريخ كورقة مساومة، لكنهم على الأرجح لن يقدموا على تنفيذ الصفقة مع سوريا».
وكان المصدر الروسي الرفيع، قد أكد لـ«الصنداي تايمز» أن روسيا فهمت من تل أبيب، خلال زيارة نتنياهو الأخيرة، أنهم «لن يقدموا على شن غارات في الأراضي السورية، مقابل إلغاء صفقة بيع الصواريخ المتطورة من طراز اس 300».
الى ذلك، نشرت «يديعوت أحرونوت»، أمس، مقالاً للرئيس السابق لشعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي، اللواء يسرائيل زيف، طالب فيه تل أبيب بضرورة العمل على تدمير السلاح الاستراتيجي في سوريا، وفي الوقت نفسه، الامتناع عن إطلاق مواقف وتصريحات مضرة ولا تفيد. وأشار الى أن «صواريخ أس 300 ليست معدة لمواجهة إسرائيل وحسب، بل هي أيضاً معدة لردع الأميركيين والأتراك. ومن هنا يجب على إسرائيل أن تعمل من دون كلام، وأن تترك المسائل السياسية للآخرين كي يتقدموا الى الساحة لحل الأمور».
بدوره، أكد قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، إليعزر ماروم، أن الظروف الحالية، سياسياً وميدانياً، بما يشمل إمكانات الرد من سوريا على هجمات إسرائيلية في الأراضي السورية، باتت مغايرة تماماً لما كانت عليه قبل الهجمات الأخيرة. ولفت الى أن «إسرائيل ستجد نفسها أمام قرار صعب إذا قررت مهاجمة قافلة أو مخزن سلاح نوعي في سوريا، في طريقه أو هو تابع لحزب الله».
وبحسب ماروم، فإن «قادة الدولة وقادة الجيش يواجهون مهمة معقدة وغير سهلة، لكنها ممكنة ويمكن تحقيقها، ففي الوقت الذي يجب فيه منع نقل السلاح النوعي الى حزب الله، لدى إسرائيل خيارات متعددة للقيام بذلك، وبطرق مختلفة، ومن دون أن تتعرض لخطر سيناريوهات رد من سوريا، تؤدي بدورها بالمنطقة الى مواجهة واسعة».