سيناء - صباح السبت الماضي، سيطر الجيش المصري على مبنى السنترال المركزي في العريش، وقطع شبكات الهواتف الأرضية والمحمولة والإنترنت عن محافظة شمال سيناء.
امتد الانقطاع عشر ساعات تقريباً، علم بعدها أبناء المحافظة أن الجيش بدأ عملية عسكرية موسعة في المنطقة الحدودية دون القدرة على الحصول على أية تفاصيل. فور عودة الاتصالات في المساء انهالت المكالمات الصارخة والاستغاثات الشاكية من آثار الحملة العسكرية، فظن المستمعون في المتصلين المبالغة ولم يأخذ الأمر حيزه من الاهتمام الإعلامي.
صرح المتحدث العسكري على صفحته الرسمية بموقع «فيسبوك» عن نتائج اليوم الأول من الحملة، معلناً إحراق 107 «عشة»، وعدد من السيارات، كان الإرهابيون يستخدمونها منطلقاً في عملياتهم، على حد وصفه. روايات الأهالي عبر الهاتف تحدثت عن المعلومات نفسها بتفسير مختلف تماماً. امتدت الحرب ثلاثة أيام، قُطعت فيها كافة أنواع الاتصالات الهاتفية والشبكية طوال النهار، وتحركت الدبابات والمعدات الثقيلة تحت تغطية من مروحيات «الأباتشي» المقاتلة، ولم يستطع أحد الوصول إلى منطقة العمليات للتوثيق أو الإغاثة.
توقفت العمليات بعد اليوم الثالث، وهو ما لم تعلمه «الأخبار»، إلا حين وصلت إلى مدينة الشيخ زويد صباح الثلاثاء بسهولة نسبية، حيث لم تنقطع شبكات الاتصال، ولم يرَ السكان المروحيات أو يسمعوا صوتها. وفي رحلة تفقد سريعة لآثار الحملة العسكرية على قريتي الظهير والمقاطعة، ضمن عدّة قرى طاولتها الحرب، كان واضحاً حجم الدمار الذي خلفته الهجمة على منازل مدنيين وسياراتهم، وعلى عشش الفقراء التي لا يملكون سواها.
علمت «الأخبار» من دليلها الميداني بمقتل الحاج سالم حسن أبو دراع، وهو قريب مشترك بينه وبين الصحافي السيناوي المعتقل عسكرياً أحمد أبو دراع، حيث كان خارجاً من المسجد بعد صلاة الفجر ولم يصل أبناؤه إلى جثمانه إلا حين تفقدوه قبيل الظهر. وعند المرور على منزل الحاجة أم سلمان أبو دراع، التي قُتلت في بيتها برصاصة اخترقت الجدار واستقرت في صدرها، كان اللافت أنّه لم يُعلَن مقتل أي شخص آخر بخلاف هذين العجوزين.
في قرية المقاطعة، لم يبق من مسجد أبو منير سوى ركام، بعدما تهدّم تماماً بقذائف صاروخية تنبئ آثارها بأنها قد أطلقت من طائرة الأباتشي المصرية. رغم حرمة المسجد المقصوف، قدم بعض السكان المحليين تفسيراً لاستهدافه، حيث كان ملتقى ومنطلقاً لبعض الجماعات، دون أن يجزم أحد بتحصن أي مسلحين فيه أثناء العمليات.
عشرات الأهالي قدموا شهاداتهم لـ«الأخبار» على العقاب الجماعي العشوائي والاعتداء على المارة والمواطنين داخل المنازل وإحراق السيارات دون سبب. أحدهم استوقفته قوة من الجيش وفتشته ذاتياً وفتشت سيارته، ثم صرفته وأحرقتها. بالقرب من هيكل سيارته المتفحم، عدة منازل متجاورة أُخرج أهلها منها عنوة وفُتِّشت، فلما لم يجدوا أية مضبوطات لم يعتقلوا أحداً، لكنهم أخرجوا أنبوب «البوتاغاز» وأحرقوا الأثاث وحطموا الأجهزة الكهربية، وأحرقوا السيارات في موقفها في أفنية المنازل. أحد أصحاب سيارات النقل توسل إلى الجيش أن يعتقلوه وأن يتركوا سيارته لأولاده ليقتاتوا منها ويسددوا أقساطها التي لم تدفع بعد، لكنهم أحرقوها أمام عينيه.
الطامة الكبرى كانت من نصيب الفقراء المدقعين الذين أخرجوا من عششهم قبل حرقها أمام أعينهم، رغم خلوها من أية مضبوطات، ليضاف إلى قائمة الضحايا فئة المشردين. المشردون لم يكونوا فقط من الفقراء، بل حتى أصحاب المنازل الفخمة الضخمة لم يسلموا من القصف الجوي لمنازلهم وإتلاف محتويات البيوت ونهبها، رغم أن بعضهم معروفون بسهرات السمر وأبعد ما يكونون عن الارتباط التنظيمي أو اللوجيستي بالإسلاميين.
شهادات عيان وروايات متواترة في القريتين، ومثلها عن القرى الأخرى، تروي عن نهب مقتنيات البيوت وحلي النساء، بل حتى الملابس ومحتوى الثلاجات من الأطعمة والأشربة. أشجار زيتون اقتلعت، وأبراج حمام دمرت، وأغنام قتلت. كذلك اقتلعت قوات الجيش مساحات شاسعة من مزارع الزيتون جنوب مدينة العريش بدعوى كشف المنطقة وتسهيل تأمينها ضد تسلل المهاجمين من بين الأشجار. إجراءات ترتب عليها خسائر بالملايين وفقدان كثير من الأسر مصدر دخلها السنوي الوحيد.
أي أثر على الجماعات المسلحة؟
تقول البيانات الرسمية للجيش إن العمليات قد نجحت في القضاء على البؤر الإجرامية وأوكار الإرهاب، غير أنها روايات طارت أدراج الرياح صباح الأربعاء بتفجير مقرّ المخابرات العسكرية في مدينة رفح بسيارتين مفخختين قادهما انتحاريان. يوم الخميس، أعلنت جماعة تكفيرية تدعى «جند الإسلام» في بيان نشرته الصحافة السيناوية المحلية مسؤوليتها عن الحادث.
أوضح البيان الالتباس الذي ساد بخصوص مسؤولية «أنصار بيت المقدس» السلفية الجهادية عن تفجيرات رفح بسبب إصدارها لبيان آخر يوم الأربعاء تعلن فيه خسائر في صفوف الجيش أثناء معارك حرب الأيام الثلاثة. أرفق بيان «أنصار بيت المقدس» بصورة لسيارة «لاندكروزر» عسكرية يدعي البيان تدميرهم إياها، بالإضافة إلى سيارة «هامر»، وإعطاب ثلاث مدرعات بعبوات ناسفة، وتأكيد مقتل ثمانية على الأقل، منهم ستة من عناصر القوات الخاصة.
لم يعد جديداً في بيانات الجماعات السلفية الجهادية في سيناء اتهام الجيش المصري بالخيانة والعمالة لدولة الاحتلال، لكن الجديد في البيان الأخير هو وصفه بـ«الجيش المرتد». وقد افتخروا في بيانهم بأن العمليات العسكرية الموسعة لم تسقط من بين صفوفهم سوى عضو واحد نفد الوقود من سيارته أثناء المطاردة، وهو ما عبّر عنه أحد سكان قرية «المقاطعة» بقوله: «لقد خربوا بيوتنا وأحرقوا سياراتنا وتركوا لنا أعضاء الجماعات يخرجون لنا ألسنتهم أنهم لم يمسهم سوء».
جدير بالإشارة إلى أن القرى في منطقة العمليات الواقعة جنوب مدينة الشيخ زويد تبعد ما لا يقل عن 15 كيلومتراً عن منطقة الأنفاق في شمال شرقي رفح، ما يعني عدم ارتباط قصف البيوت وحرقها بقضية الأنفاق والتهريب البتة.
في غضون ذلك، أكدت مصادر أمنية مصرية، أن مروحيات تابعة للجيش قصفت صباح أمس، مواقع يفترض أن مسلحين إسلاميين يتمركزون فيها في قرى تقع الى جنوب بلدة الشيخ زويد. وأضافت أن الجيش بدأ عملية عسكرية جديدة ضد مواقع المسلحين بسيناء،