تونس | باريس | سجّلت مدن تونسية عدّة، في الأيام الأخيرة، سلسلة من الاعتداءات التي استهدفت وجوهاً نقابية ويسارية بارزة، ولا سيما المعارضون لـ«الهدنة الاجتماعية» التي تطالب بها الحكومة. ففي سوسة، جنوب البلاد، تعرض العضو القيادي في «اتحاد الشباب الشيوعي»، عبد الرزاق الرداوي، لاعتداء من «ملتحين»، ليلة أول من أمس، فيما طاولت حوادث اعتداء مماثلة نشطاء من الكوادر النقابية المقربة من «حزب العمال الشيوعي»، ومنهم عضو القيادة الوطنية للحزب قاسم مقداد، وعضوا المكاتب الجهوية زياد بوقرة وصغير عمروسية.
ورغم أنّ هذه الاعتداءات تُنسب عادة إلى الحركات السلفية، فإن استهداف النشطاء النقابيين يُثير تساؤلات وشكوكاً حول تعمّد الحكومة الحالية إطلاق أيدي السلفيين ضدّ هؤلاء النشطاء، بهدف إخماد الحراك الشعبي والاعتصامات المطلبية المتصاعدة، وخصوصاً في منطقة «الحوض المنجمي»، التي انطلقت منها انتفاضة 2008، والحركات الاحتجاجية التي أدّت إلى قيام الثورة في أواخر 2010.
وما زاد من حدّة الشكوك موقف الحكومة ذات الغالبية النهضوية (نسبة إلى حركة «النهضة» الإسلامية) من سلسلة الاعتداءات على القيادات النقابية، إثر قيام وزارة العدل بسلسلة من المحاكمات «المستعجلة» لنشطاء متهمين بتنظيم «اعتصامات فوضوية»، أي غير مرخص بها. وفي سابقة هي الأولى من نوعها منذ قيام الثورة، أصدرت محكمة استعجالية أحكاماً بالسجن لمدة شهر ونصف على أربعة نشطاء شباب في مقاطعة المزونة، بتهمة تنظيم اعتصام فوضوي لاعتراض موكب حاكم المقاطعة. وكان الرئيس منصف المرزوقي قد دعا، في أواخر الشهر الماضي، إلى «هدنة اجتماعية»، مطالباً بوقف الاعتصامات والحركات الاحتجاجية لمدة 6 أشهر، لمنح الحكومة فرصة لإعادة تحريك الاقتصاد. لكن التجاوب مع الهدنة كان محدوداً جداً، وخاصة من الحراك الشبابي، الذي يغلب عليه التوجه اليساري. واشتكى رئيس الحكومة، حمادي الجبالي، الأسبوع الماضي، في حوار مع التلفزيون الوطني التونسي، من اتساع رقعة الاعتصامات والحركات الاحتجاجية، التي قال إنها تشلّ الاقتصاد وتمثّل تهديداً متزايداً للأمن العام.
وفي خطوة عُدّت «إعلان حرب على الحراك الشعبي والنقابي»، أطلق النائب في المجلس التأسيسي، صادق شورو، وهو من القيادات التاريخية الأكثر تشدّداً في حركة النهضة، تصريحاً مثيراً للجدل طالب فيه بتطبيق «حد الحرابة» على المعتصمين بحجة أنهم من «المفسدين في الأرض». وقال في نقاش برلماني إنّ «جيوب الردّة التي تسعى في الأرض فساداً، وتقطع الطرقات والسكك الحديدية، وتشل المصانع والمناجم، وتشعل النار في المرافق العمومية، هي جيوب عدوة للشعب يصدق عليها قوله تعالى: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتَّّلوا أو يُصلَّبوا أو تُقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا من الأرض}.
وأثار هذا التصريح استياءً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية. وانتشر التسجيل على الشبكات الاجتماعية، حيث جرت مقارنة بين تصريح شورو وفتوى مماثلة أطلقها مفتي السعودية، عبد العزيز آل الشيخ، واستشهد بالآية ذاتها لاتهام الحراك الشعبي في القطيف بالإفساد في الأرض، وهي الفتوى التي مهّدت للبطش الأمني هناك.

http://www.facebook.com/photo.php?v=223179791102369