دمشق | تمتلئ شوارع دمشق بصور المرشحين ومعها شعارات يصفها البعض بأنها أصبحت جزءاً من الماضي ولا تعبر عن برنامج واضح للعمل، بينما يبقى هناك مرشحون يقدمون طريقة عملهم ضمن الدورة الانتخابية المقبلة وما يسعون إلى تحقيقه خلالها. في المنطقة الواقعة شرق جسر الثورة، بالقرب من ساحة الشهداء، أو ساحة «المرجة» كما يحلو للسوريين تسميتها، يمتد أحد أكثر أسواق دمشق شهرة وفقراً. يطلق عليه البعض تسمية «سوق الحرامية»، أما أصحاب بسطاته ومحاله المتداخلة والموزعة بشكل سريالي، فلا ناظم لها سوى بلطجة صاحبها الظاهرة، يفضلون تسميته «سوق الجمعة». مجمل البضاعة المعروضة للبيع خردوات، خضروات وفواكه وأصناف مختلفة من الطعام، أثاث منزلي مستخدم، أجهزة كهربائية مستهلكة، ملابس مستعملة شبه مهترئة، وكل ما هو مسروق حديثاً. ليس مستغرباً إذاً أن تسمع رنين أحد الهواتف النقالة المتطورة بين أيدي من يبيعها بربع ثمنها الحقيقي، أو أن تشهد شجاراً بين من يدعي أنه صاحب إحدى البضائع المعروضة وبائعها. تغيب عن هذه السوق والمناطق القريبة المحيطة به، جميع مظاهر الحملات الدعائية ولافتات وصور مرشحي مجلس الشعب، التي تحولت إلى محطات للاستهزاء والسخرية من قبل بائعي السوق. يعرض أحد الباعة على بسطته الصغيرة بين قدميه على الأرض، ساعات يد قديمة صائحاً: «ساعات ياباني أصلي... ميد أن جيرماني (صنع في ألمانيا).... ومع كل ساعة مرشح لمجلس الشعب... والبيع على بردى». تسأله عن معنى جملته الأخيرة، فيجيبك ضاحكاً « أستاذ.... إذا ما طلعت شغالة فيك تكبها هية والمرشح تبعها بنهر بردى... بس لعندي ما في رجعة». عند إحدى زوايا السوق الذي تفوح منه روائح كريهة، الناتجة من خضروات ومأكولات فاسدة تركها البائعون وراءهم على الأرض، بعدما يئسوا من قدوم زبون معدم لشرائها، تسأل رجل خمسيني عن سبب شرائه الخضروات والفواكه وحتى اللحوم ومعظم حاجياته المنزلية من هذه السوق، الذي يفتقد أدنى الشروط الصحية، فيجيبك قائلاً «بتعرف قديش سعر الدولار اليوم أستاذ؟ صحيح نزل سعر الصرف، بس بعدها الأسعار كلها نار. هون بهاد السوق مالنا علاقة بالدولار، ولا بوعود المرشحين بالرفاهية والتغيير ... أخت الدولار على أخت الأسعار»، يضحك بسخرية واضحة، ويمضي بطريقه مثقلاً بما اشتراه لأسرته من هذه السوق. إذاً اختارت الغالبية العظمى من مرشحي مجلس الشعب لمدينة دمشق والمناطق المحيطة بها، الأماكن الراقية مثل أوتوستراد المزة، وحي المالكي وأبو رمانة، والشعلان والحمراء لتعليق أعداد هائلة من اللافتات القماشية، حملت صورهم التي التقطها لهم، على ما يبدو، مصورون محترفون في تصوير النجوم والفنانين. أما العبارات التي اختاروها لحملاتهم الدعائية، فتشعر قارئها بأن فتحاً جديداً، وثورة ديموقراطية في العدالة والمساواة، يقودها هؤلاء، ستنهض بالبلاد نحو القمة. اختلفت قراءات الشارع السوري وردود أفعاله، حول ظاهرة حمى الانتخابات البرلمانية التي تتكرر كل أربع سنوات، دون تغيير يذكر حول آليتها وتفاصيلها، لكنها جاءت الآن في وقت تشهد فيه البلاد أحداثاً دموية، وتغييرات بالجملة في واقع سياسي واجتماعي، بعد جملة الإصلاحات السياسية والتعديلات البرلمانية الجديدة، أهمها: قانونا الأحزاب والانتخابات الجديدان، وتعديل للدستور السوري، وإلغاء المادة الثامنة منه، التي شكل إلغاؤها هاجساً ومطلباً دائماً لدى المعارضين والمتظاهرين في الشارع.
تظهر هذه السنة قائمة الجبهة الوطنية التقدمية تحت اسم قائمة الوحدة الوطنية، التي كان من الملزم أن تكون على الورقة الانتخابية بالإضافة إلى أسماء من يختار من المرشحين، فالقائمة كانت تضم أحزاب الجبهة والعمال والفلاحين مع العلم أنه لم يكن يحق للأحزاب (عدا البعث) أن ترشح ممثلين عنها في كافة المحافظات. تغيير اسم هذه القائمة جاء بعد صدور الدستور الجديد الذي لا يعتبر فيه حزب البعث هو القائد للدولة والمجتمع، وأشار إلى التعددية السياسية. هذا ما دفع الكثير من أعضاء ومناصري هذه الاحزاب الى انتظار النتائج لمعرفة مدى فاعليتها بين الناس وقدرتها على إيصال نواب إلى المجلس. يضع المراقبون ثلاثة احزاب قد يكون لها الحظوظ الاكبر في المجلس وهي البعث والشيوعي والسوري القومي الاجتماعي.
في مقابل الاحزاب القديمة هناك تحد أمام الاحزاب الحديثة التي في معظمها لم يكمل السنة من تأسيسه، هذه الاحزاب التي تخوض تجربتها السياسية الشعبية الاولى لم تكن السنة، بحسب أحد المحازبين، كافية للتعريف بمبادئ واهداف هذه الاحزاب، ومن المتوقع أن لا تحصد مقاعد كافية في المجلس، ولكن بحسب هذا المصدر فهي تجربة ضرورية للاستفادة منها في المرحلة المقبلة من العمل السياسي وفي كيفية نسج التحالفات السياسية في الانتخابات، وخصوصا انها المرة الاولى منذ عقود يدخل فيها المجتمع السوري ضمن خيارات متعددة من الاحزاب والتيارات.
تختلف الانتخابات بين المحافظات التي تعيش هدوءاً نسبياً وتلك التي تعتبر من المناطق الساخنة، حيث تُطرح تساؤلات عن مدى فاعلية الانتخابات في تلك المحافظات مثل حمص التي تعيش حروب شوارع مما يشكل خطراً على سير العملية الانتخابية في المراكز .
تمثل محافظة حلب الحصة الاكبر من مقاعد المجلس، إذ تستحوذ على 32 مقعداً، تليها دمشق 29 مقعداً. والمقاعد تقسم بين فئتين، الاولى يضم العمال والفلاحين والفئة الثانية تضم باقي قطاعات الشعب بحسب المرسوم 113.
يلاحظ العاملون في الماكينات الانتخابية، وخصوصاً من كانوا يعملون بها في دورات سابقة، الفرق بين الدورتين، ولا سيما في مجال القوائم الانتخابية التي ضمت رجال اعمال كانت شوارع دمشق تمتلئ بصورهم، حيث كان يتم تجميع أعداد كبيرة من الشباب في هذه الماكينات الانتخابية بمقابل مادي، بينما يغيب هذه السنة عن الواجهة هؤلاء المرشحون، على الرغم من ترشحهم، ويرجع البعض هذا الغياب عن الصورة العامة إلى ما تعرضوا له من انتقادات خلال الفترة الماضية، ويظهر بالمقابل رجال أعمال وصناعيون يعملون على دخول المعترك السياسي. يتحدث احد الاعلاميين في التلفزيون الرسمي عن ضرورة أن يكون للنواب دور في المرحلة المقبلة، وخصوصاً أن هناك تقصيراً كبيراً في عملهم ليس فقط في جلسات المجلس بل في دورهم السياسي والاعلامي خلال السنة الماضية.
يعمل الكثير من الشباب على الاشارة إلى المخالفات في الدعاية الانتخابية، الامر الذي أثار لدى معظم سكان المحافظات حالة من السخط على بعض المرشحين، ما دفع البعض إلى القول في اجتماع لشباب تحضيرا لحملة لإزالة المخالفات إلى القول «إن كانوا يريدون ان يمثلوننا فليمثلونا بطريق حضارية». كما شدد المشاركون في اللقاء على ضرورة محاسبة المخالفين كما نص القانون الانتخابي الجديد، وهذا يعتبر خطوة مهمة على طريق الاصلاح الذي تتحدث عنه الحكومة.، مع العلم ان المحاسبة تشمل أيضاً من تجاوز السقف المسموح به للدعاية الانتخابية وهو 3 ملايين ليرة، بينما يشير أحد المواقع المتابعة للعملية الانتخابية أن هناك حملات تعدت هذا الحد المالي.
«منذ أكثر من 40 عاماً، لا يزال النظام يحصد ما زرعه، من شريحة الانتهازيين والوصوليين، تحت مسمى مجلس الشعب. هذا ما ينضح به البئر الآن، لن يستطيع النظام أن يعطي أي صورة جديدة أو مطمئنة، يكون مساهماً فيها في سوريا القادمة»، يقول سامي أبو عمار، الشاب السوري والممثل الهاوي للمسرح، في قراءته السريعة للمشهد التي تعيشه العاصمة دمشق. وينتقد إجراء الانتخابات في ظل الأحداث التي تشهدها البلاد. وعن انعكاسات ظاهرة الانتخابات في الشارع السوري المحتج والمتظاهر، يضيف «الجميع مشغول الآن بالتغيير القادم للبلاد لا محالة، لكن تبقى التساؤلات جلية، حول طبيعة وماهية وسوية هذه التغييرات».
في ساحة السبع بحرات، التي يمتد على كتفها شارع العابد، الذي أثقلت جدرانه وزواياه وزواريبه أعداد هائلة من لافتات وصور المرشحين للانتخابات البرلمانية، يتجاور بناء البرلمان السوري، مع مقهى الروضة الدمشقي الشهير، الذي لا يزال يشهد منذ بداية الأحداث السورية حوارات ونقاشات بين رواده وزائريه، تلخص إلى حد ما، تناقضات ومفارقات الشارع والمجتمع الدمشقي. يلتقي الكاتب والصحافي السوري الشاب علي وجيه، مع رفاقه وأصدقائه بشكل شبه يومي، مادة الحوار التهكم والسخرية على القرارات الأوروبية الأخيرة، التي تنص على منع تصدير المواد الكمالية والرفاهية إلى سوريا «لا مزيد من الكافيار أيها الشعب السوري الكادح. ربّما يبدو الخبر كارثياً للبعض، ولكن مهلاً، لسّا الخير لقدّام، العقوبات قد تشمل أيضاً السيجار الكوبي والكريستال والعطور. تنفّس البعض الصعداء، فالمنقلة وطاولة الزهر والتركس «أساسيات» ما زالت بخير»، يقول وجيه ساخراً من جملة هذه القرارات، ويحاول الربط بين ردود أفعال الشارع السوري، وواقع الانتخابات البرلمانية المرتقبة قائلاً «هنا سيسمع الشعب أصواتاً نضالية من وسط أبنائه البارّين. مرشّحو مجلس الشعب الأشاوس، لا تهمّهم العقوبات التافهة وسخافات البيت الأبيض. ووعودهم المتكررة للمواطن بالرفاهية والعيش الرغيد خير دليل على ذلك. مثل ذلك المرشح الذي كتب على لافتاته الدعائية أنه «مخترع تقنية البلوتوث» وصاحب مراتع الرقص الليلية، ومقتنص المناقصات والمزايدات وما بينهما و«من تسألون غداً» و«الجميلة» و«الوحش» و« فلّة» و«الأربعين قزماً» كلهم وضعوا العقوبات في جيوبهم، مرسلين «إس إم إس» مطمئن للمواطن السوري بألا يهن ولا يحزن... فإنّ المجلس معنا».
أينما تجول الشاب والكاتب السوري أحمد الباشا في شوارع العاصمة دمشق وضواحيها، يسجل على دفتره الصغير بعضاً من شعارات الحملات الدعائية للمرشحين، التي باتت تشكل موسوعة كبيرة بإمكانها أن تصيب قارئها، بنوبة هستيرية من الضحك «لما تحتويه من مفارقات صادمة حقاً» يقول الباشا. من أكثر الشعارات التي سجلها غرابة «ليبقى الوضع كما هو عليه» التي حملتها لافتة لأحد المرشحين، علقت على إحدى إشارات المرورية، في طريق المزة السريع. الكثير من الافتات الانتخابية، المنتشرة بكثرة في مناطق دمشق، يحمل توقيع من قدمها، دعماً منه للمرشح الذي اختاره ليمثله في البرلمان، كأحد أشكال إعلان الولاء والمساندة لصديقه المرشح. «لو تأملت في لوحات أي مرشح كان، وقمت بعدّ الأصدقاء الذين قدموا له هذه اللافتة وخطوا اسمهم، تحتها لأدركت مدى شعبية هذا المرشح، إلا أن سحب لافتات أحد المرشحين من الشارع، وطلاء أسماء من قام بتقديمها له، يشي بصدقية وإحساس عال بالمسؤولية ينبئ بصوت حر قادم إلى ساحات الوغى في مجلس الشعب»، يقول الباشا متهكماً في إشارة واضحة للقضية التي أثارها محمد القبنض، رجل الأعمال وصاحب شركة أنتاج فني درامي، عندما استغل اسماء بعض نجوم الدراما السورية العاملين معه في الشركة، ليذيل لافتاته الدعائية بأسمائهم دون علم منهم.
أمام فوضى هذه اللافتات، التي لم يبد من وضعها أي اهتمام يذكر بالنواحي الجمالية لتصميمها وترتيبها، تبقى اللافتة التي رفعتها الشابة المعارضة ريما دالي (أوقفوا القتل نريد أن نبني وطناً لكل السوريين) هي الأكثر أصالة والأكثر جمالاً وقدرة على تمثيل صوت كافة السوريين الآن، بعكس مجمل المرشحين.



اتجاهات المعارضة

تتعاطى المعارضة السورية في الداخل مع الاستحقاق الانتخابي ضمن ثلاثة اتجاهات. الاتجاه الاول يدعو إلى خوض الانتخابات النيابية، وتنطلق هذه الجهة من فكرة أن الدخول في الانتخابات ليس هو التحول من معارضين للنظام إلى موالين له، يدخل في هذه الجهة بشكل رئيسي حزب الارادة الشعبية برئاسة قدري جميل والحزب السوري القومي الاجتماعي برئاسة علي حيدر (الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير) التي قدمت 45 مرشحاً. الجهة الثانية تدعو إلى مقاطعة الانتخابات بشكل كامل، فالدخول بها يعني المساومة مع النظام والاعتراف بشرعيته، وتعتبر هذه الجهة أن هذه الانتخابات لا تعبر عن المجتمع السوري وتضم هذه الجهة بشكل رئيسي هيئة التنسيق الوطنية وتيار بناء الدولة وغيرها من الشخصيات والاحزاب المعارضة. الجهة الثالثة تسمي نفسها «كتائب محمد»، وهي تابع للجيش السوري الحر، وقد توعدت هذه الكتيبة بتنفيذ اغتيالات بحق المرشحين، قائلة «إن لم ينسحبوا فإن الكتائب سوف تجبرهم على الانسحاب بالقوة».