دمشق | «الاختلاف حول تحديد أول يوم من رمضان يمكن اعتباره مشهداً من الكوميديا السوداء، التي ترافق فصولها أحداث الأزمة السورية»، بهذا القول بدأ الطالب الجامعي تامر أبو ناجي (24 عاماً) حديثه لـ«الأخبار»، ساخراً من الحال التي وصلت إليها سوريا اليوم، مشيراً إلى أن «الأوساط المعارضة أعلنت اليوم الجمعة (أمس) أول أيام شهر رمضان المبارك، أما الأوساط الموالية، فتبدأ صيامها السبت». الطالب الجامعي رغب في ترطيب الحديث فأورد طرفة يرددها السوريون اليوم في بداية رمضان تقول: «على حواجز الجيش الحر، أو الجيش السوري النظامي، بدلاً من إظهار البطاقة الشخصية، يطلب عناصر الحاجز من المواطن مد لسانه خارج فمه، ليعرفوا إن كان صائماً أم لا، وعلى هذا الأساس يجري التعامل معه».
أمام هذا الخلاف حول بداية شهر الصوم يتساءل أبو ناجي: «ألسنا أمة إسلامية واحدة في بلد واحد؟»، معتبراً أن الاختلاف في موعد الصيام، هو إعلان غير مباشر عن تكفير أطراف الخلاف لبعضها البعض. وعن حركة النزوح الكبيرة، يقول أبو ناجي إن «الآلاف من النازحين الآن، يحاولون تجاوز خطوط النار، من ضواحي دمشق، للوصول إلى مناطق آمنة». ويظهر الشاب نقمة وغضباً كبيرين على بعض أصحاب البيوت، وسماسرة العقارات، ومكاتب التأجير، لاستغلالهم الموقف، قائلاً: «هناك عائلات وصلت ليلاً وافترشت الشوارع والأرصفة. المؤلم بحق هو وجود أبنية كثيرة معدة للإيجار، رفض أصحابها فتح أبوابها لأخوتهم النازحين، وطلبوا إيجارات وصلت إلى 50 ألف ليرة سورية في الشهر (740 دولاراً أميركياً) أو3000 ليرة سورية لليوم الواحد (نحو 50 دولاراً أميركياً) في بعض المناطق مثل جرمانا أيضاً».
المشكلة لم تتوقف عند مشكلة المأوى، إنما تعدت ذلك لتصل الى أعتاب أزمة إنسانية حقيقية، مع غياب الخدمات العامة، وتراكم النفايات في الشوارع، ونقص حاد في المواد الغذائية الأساسية. ثمة من حمّل مسؤولية التخبط الذي يعيشه المدنيون وحالات نزوحهم إلى انتشار الشائعات بشكل كبير، حيث تزيد حجم الخوف لدى العامة، الذين فقدوا إيمانهم المطلق، بوسائل الإعلام جميعها.
ففي رأي نزار (45 عاماً) أن «الخوف وحده ما يدفع الناس إلى النزوح. لا وجود لدور المنظمات الإنسانية على الأرض، لمساعدة وطمأنة المدنيين الذين أفرغوا بدورهم المحال التجارية من المواد الغذائية تحسباً لحرب حقيقية». ويتساءل عن«دور الهلال الأحمر السوري، وتنسيقيات الثورة ونشاطها المدني السلمي على الأرض؟».
قريباً من الحدود اللبنانية، وفي منطقة الزبداني، ثمة أصوات قصف تُسمع بوضوح على الهاتف لدى اتصال «الأخبار» بكفاح التلجي (35 عاماً)، الذي أكد سقوط 10 قتلى من أبناء منطقته، وقطع طريق سرغايا الحدودي مع لبنان، قائلاً: «لا وجود للكهرباء الآن. سيارات الإسعاف لم تعد تكفي بسبب أعداد الإصابات الكبيرة، مع نقص واضح في الخدمات الطبية. هناك حالة نزوح كبيرة الى منطقة آمنة تسمى الجرجانية الشلاح، من بلودان والمناطق المحيطة التي تشهد قصفاً عنيفاً منذ عدة أيام».
وتعتبر منطقة نهر عيشه من أفقر مناطق السكن العشوائي المحيطة بالعاصمة دمشق. لكن القصف العنيف الذي شهدته بيوتها الفقيرة، أفرغ المنطقة من سكانها بشكل شبه كامل. يقول عمر الضاهر (25 عاماً) الذي نزح مع عائلته إلى جرمانا: «شهدت مناطق نهر عيشة، الدحاديل، بيادر نادر، سوق عاصم، عمليات قنص عشوائي للمارة، بعد انتشار خبر اغتيال وزير الدفاع ورفاقه. على أثرها نزحت أعداد كبيرة من سكان نهر عيشة إلى القنيطرة».
يؤكد الضاهر أن «جميع الأطراف المتصارعة على السلطة في سوريا اليوم، لا تكترث ولا تفكر بمصير آلاف النساء والأطفال والعجزة. المحزن بحق الأسلوب اللاإنساني الذي عوملنا به لدى خروجنا من منازلنا. على ما يبدو سنبقى نحن الفقراء مهمشين، وخارج حسابات جميع أطراف النزاع إلى ما شاء الله».