العودة السعودية إلى البحر الأحمر، الذي بات ساحة تنافس القوى الإقليمية والدولية، تأتي أولاً بعد فشل محاولات المملكة السيطرة على الساحل الغربي لليمن، المطل على البحر الأحمر، خلال ما يقارب أربع سنوات من العدوان المستمر. وثانياً، بعد تعثر أحد أهم مشاريعها الاقتصادية «نيوم»، الذي كانت تعتزم تنفيذه بنصف تريليون دولار، بالاشتراك مع مصر والأردن، بسبب هروب الاستثمارات الأجنبية، على خلفية جريمة اغتيال جمال خاشقجي، كما أعلن ولي العهد محمد بن سلمان، بنفسه، في تصريحات نقلتها صحيفة «فاينانشيال تايمز» أخيراً، في ظل مقاطعة جهات دولية عديدة لمؤتمر «مستقبل مبادرة الاستثمار»، الذي كان من أهم أهدافه استقطاب المستثمرين الدوليين لإنجاز المشروع.
وبعيداً عن المشروع الاقتصادي، الذي لا يجد عوامل نجاح على الأرض في المرحلة الحالية، استعجلت الرياض في مشروعها السياسي إعلان إنشاء كيان للدول العربية والأفريقية، خلال اجتماع عُقد في العاصمة الرياض، في الـ11 من كانون الأول/ديسمبر، على أنه استكمال للاجتماع الأول الذي استضافته مصر في الشهر نفسه من العام الماضي. وعلى رغم أنه لا اتفاق نهائياً بعد، إلا أن وزير الخارجية السابق، ووزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، اعتبر أن إنشاء تجمّع يسهم «في منع أي قوى خارجية من أن تلعب دوراً سلبياً في هذه المنطقة الحساسة»، في حين أصبحت المنطقة محل تنافس إقليمي كبير في السنوات الأخيرة، من دون أن تتمكن المملكة من تثبيت موطئ قدم لها فيها، طوال سنوات العدوان على اليمن، بخلاف الإمارات، الشريك الثاني في الحرب، والتي باتت تدير عدداً من أكبر وأهم الموانئ في القرن الأفريقي.
بدأت الرياض خطوة عملية بتمرين بحري مشترك واقتصادية بإطلاق مشروع
إقليمياً، فضلاً عن التنافس المبطن مع الإمارات على استقطاب الدول ذات الموقع الاستراتيجي في البحر الأحمر، يدخل المشروع السعودي في مواجهة منافسين تاريخيين كتركيا، التي امتدّت إلى المنطقة عبر جزيرة سواكن في السودان أخيراً، بعد تمدّدها في قاعدتين عسكريتين في كلّ من الصومال وقطر. وإلى جانب تركيا، إيران، ذات الحضور القوي عبر كلّ من اليمن وجيبوتي. وفيما يصعب على المملكة التحكم في القوى الموجودة في المنطقة، الصديقة وغير الصديقة، حيث توجد نحو 11 قاعدة عسكرية (تتوزع بين عدة دول أبرزها أميركا والصين وروسيا وفرنسا واليابان وتركيا وإيران والاحتلال الإسرائيلي والإمارات)، يعتمد المشروع السياسي على ركنين أساسيين هما مصر والسعودية، أما باقي الدول المنضوية فيه فهي ضعيفة، وليس مضموناً أن تغلق أبوابها أمام الدول المنافسة للرياض كتركيا وقطر وإيران وحتى الإمارات، علماً بأن إعلان الاتفاق شهد غياب دولتين مؤثرتين في أمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وهما إريتريا المطلة مباشرة على البحر الأحمر، وإثيوبيا التي لا تطل على أي منافذ بحرية، لكنها الأكبر من حيث عدد السكان، إذ يمكن للدول ذات المصالح في البحر الأحمر، والمنافسة للرياض، اللجوء إلى إثيوبيا وإريتريا أو إنشاء كيان مواز يضمّها إليهما، خصوصاً أن السياسة الخارجية الإريترية، وفق مراقبين، تميل إلى الاتفاقيات الثنائية وغير المعلنة.
دولياً، في اتجاه آخر، تذهب تحليلات إلى أن المبادرة السعودية تأتي أولاً كردّ فعل على المبادرة التي قدمتها ألمانيا (ستدخل مجلس الأمن في كانون الثاني/يناير المقبل) لإنشاء تجمع لأمن البحر الأحمر، وتبنّاها الاتحاد الأوروبي في أيلول/سبتمبر الماضي على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حين اعتبرت الرياض والقاهرة أن أمن البحر الأحمر «شأن إقليمي» ولا علاقة للاتحاد الأوروبي به. وثانياً، كرسالة إلى أطراف مناهضة لها داخل الولايات المتحدة، لا سيما الكونغرس، بأن لديها خيارات كثيرة لفك العزلة السعودية، وهنا ربما تسعى الرياض إلى تقوية موقفها في التفاوض مع الأطراف الدولية المهتمة بالمنطقة، بما فيها الصين التي تسعى إلى إحياء طريق الحرير التاريخي.