لم يعد الحديث عن التعاون بين إسرائيل والسعودية مفاجئاً؛ إذ إنه تظهير طبيعي لتطوّر العلاقة بين الجانبين، التي وصلت إلى ما بعد الشراكة في النظرة للمصالح والتهديدات، على قاعدة الموقف الواحد والمصير المشترك. المفاجئ، وربما غير المفاجئ، ما يقدم عليه شريكا المملكة، الولايات المتحدة وإسرائيل، من تظهير لحقيقة نظرتهما للنظام السعودي من دون أي ردّ فعل مقابل. وإذا كان الرئيس الأميركي قد أمعن في إهانة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في البيت الأبيض عبر تصدير المملكة كجهة تبتاع السلع الأميركية بينما اكتفى الأمير الشاب بتوزيع ابتساماته، فلا غرابة في أن تفرد صحيفة «هآرتس» عدداً من صفحاتها (الجمعة 19- 04- 2019)، ضمن ملف خاص، للحديث عن السعودية من دون توقع ردود فعل سلبية منها أو انعكاسات على مسار التطبيع بين الجانبين. وكما تلقى ترامب ابتسامات في مقابل الإذلال، يمكن إسرائيل أيضاً أن تتوقع بدورها الابتسامات.في ملف «هآرتس» تركيز لافت على ما تقول الصحيفة إنه «اهتزاز» بنيوي في الرياض قد يقود إلى تغييرات لا تحمد عقباها بالنسبة إلى إسرائيل، وتحديداً ما يمكن أن يحدث لابن سلمان الذي تطالب تل أبيب بضرورة تعزيز مكانته، تحقيقاً للمصالح الإسرائيلية. وهذه النظرة السلبية، أو في حدّ أدنى القلقة من الآتي، تأتي إلى جانب سرد حقائق تتعلق بهوية المملكة وضخامة ثروتها النفطية التي يقابلها تواضع قدرات حكامها وقلة درايتهم وانشغالهم بصراعات العائلة الحاكمة والقمع الداخلي ونشر الوهابية والتطرف والتسبب بالحروب والصراعات، مع مراعاة الابتعاد عن فلسطين، والانشغال بما سواها.
في تقديم الملف، تشير «هآرتس» إلى الآتي: إنها السعودية، حيث الوهابية هي التي تحدد نمط حياة الناس في المملكة، إلى جانب غياب المؤسسات الديمقراطية وحرية التعبير ومكانة المرأة، وكلها ليست جزءاً من القاموس الرسمي والشعبي. والمملكة التي خرّجت أسامة بن لادن ومعظم منفذي هجمات 11 أيلول 2001، هي نفسها الحليف الأهم للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وعلى رغم توافرها على النفط والثروة، ثمة فقر مدقع لدى فئات من السعوديين. ومع امتلاكها جيشاً حديثاً، لا قوة بشرية مهنية لديها لتشغيل الوسائل الحربية. والمملكة، ذات التأثير السياسي الضخم، فشلت المرة تلو الأخرى في النزاعات الإقليمية. وإذا كانت المملكة لا تتدخل تقريباً في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتركز على صراعات أخرى في المنطقة، إلا أنها فشلت فشلاً ذريعاً في لبنان، وابتعدت بعد جهد عن الحرب السورية، في حين أن الحرب التي بادرت إليها في اليمن تنهي عامها الرابع بلا أفق حل. هل تتمتع المملكة بمكانة زائدة، وهي في الواقع ليست إلا صهريج نفط عملاق بحاجة إلى حراسة ورعاية كي لا ينفجر؟ وهل هي حقاً قادرة على أن تكون رأس حربة في مواجهة إيران؟ أم أنها دولة مرعوبة تجهد كي تبقى حية في زمن يتراجع فيه الاعتماد على النفط السعودي؟

لحماية ابن سلمان
بحسب تقرير «هآرتس»، تتمحور العلاقة بين إسرائيل والسعودية حول الأمن والتجارة بنحو رئيس. ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ينظر إلى المملكة بوصفها عامل دفع مهم للولايات المتحدة في مسعى تعزيز عزل النظام الإيراني، العدو المشترك للجانبين. هذا الهدف هو الذي جعل من نتنياهو واحداً من القلة حول العالم الذين جاهروا بدعم ولي العهد، محمد بن سلمان. إذ سارع نتنياهو إلى مساندته والدفاع عنه في قضية قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي. فإسرائيل، كما الولايات المتحدة، قلقة من إمكانية أن يؤدي إبعاد ابن سلمان، بعد القتل، إلى سقوط النظام السعودي. يضيف التقرير أن مستقبل العلاقة بين إسرائيل والسعودية مرتبط بابن سلمان تحديداً، لأنه القادر على دفع العلاقات قدماً، وهذا مرتبط بقدرته على الحفاظ على قوته، وإذا نجح في ذلك، فسيتجاوز المواضيع الخلافية في المملكة، ومن بينها العلاقات مع إسرائيل.
السعودية صهريج عملاق من النفط يحتاج إلى حراسة ورعاية


في تقارير ملحق «هآرتس»، عرض لواقع السعودية من زوايا مختلفة، سواء ما يتعلق بالعائلة الحاكمة والصراعات التي لا تهدأ فيها حول السلطة بين المئات من الأمراء مِمَّن يرى معظمهم أن لديه الحق في الحكم أو أن يكون جزءاً منه أكثر من غيره في العائلة، وهو عامل من عوامل القلق على المملكة في مرحلة التأرجح والصراع على البقاء. يشير الملحق أيضاً، تحت عنوان «هل تفقد السعودية تأثيرها عبر تقلّص الحاجة إلى نفطها؟»، إلى أن حاجة العالم للنفط السعودي لم تعد كما كانت عليه نظراً للبدائل التي باتت متاحة، وتحديداً ما يتعلق بالنفط الصخري الذي يمكن اللجوء إليه في منع تكرار أزمة الطاقة في حرب عام 1973، ما يقلص تأثير المملكة وقدرتها على التهديد برفع أسعار النفط.
في تقرير آخر، تركيز على حقوق الإنسان في المملكة تحت عنوان «السعودية تضطهد مواطنيها والعالم لا يهتم». إذ تشير الصحيفة إلى أن قمع حقوق الإنسان في المملكة لا يؤدي إلى أي تداعيات فعلية أو تأثير على سمعتها أو علاقاتها الخارجية، كما يحدث مع إيران مثلاً، أو دول تقمع مواطنيها في إفريقيا وغيرها. ففي المملكة، يُمنع التظاهر والتجمعات حتى السلمية منها، وأُغلِقَت مكاتب منظمات حقوق الإنسان، وكل أعضاء هذه المنظمات إما سجنوا أو هربوا إلى الخارج. وفي عام 2017 صدّقت المملكة على «قانون الإرهاب» الذي يسمح للسلطات بزيادة قمع نشطاء حقوق الإنسان. إلا أن كل ذلك لا يمنع تجاوز العالم سلوك المملكة والتغاضي العملي عنه، وكل ما يجري، في معظمه، يبقى تحت شاشات الرادار العالمي وبلا اهتمام دولي.
هي المملكة السعودية، التي تتحكم فيها أهواء ملوكها وحكامها، كما يشاؤون في الداخل السعودي أو خارجه، ومن دون أي حساب مسبق أو لاحق. إلا أن المملكة ومنعتها وعوامل ثباتها في الداخل أو الخارج آخذة في التأرجح، في مرحلة حساسة جداً لإسرائيل والولايات المتحدة في المواجهة التي يقودانها ضد إيران وحلفائها في المنطقة، وكذلك في مرحلة حاسمة جداً من مسار تصفية القضية الفلسطينية. وكلا المسعيين يدفع إلى تأجيل نتيجة «تأرجح المملكة»، والعمل على استمرار بقائها أكثر، وهو ما دفع «هآرتس» إلى وصف المملكة، كما ورد في مقدمة تقارير الملحق، بأنها «صهريج عملاق من النفط يحتاج إلى حراسة ورعاية، كي لا ينفجر».