القاهرة | تبدو العلاقات المصرية ــــــ السعودية مرشّحة لتوتُّر متصاعد، في ظلّ غياب الاتصال على مستوى الرئاسة المصرية والديوان الملكي، ممثَّلاً بمكتب وليّ العهد، محمد بن سلمان. توتُّر فاقمه شعور الرياض بالضيق نتيجةَ عدم اتّخاذ القاهرة موقفاً مسانداً لها، في أعقاب إفراج الإدارة الأميركية عن تقرير الاستخبارات الوطنيّة الذي يتّهم ابن سلمان بالضلوع في مقتل جمال خاشقجي. فالقاهرة، وبخلاف العواصم الخليجيّة وتلك الحليفة، لم تسارع إلى إصدار بيان يبرّئ وليّ العهد، ويندّد بالتقييم الأميركي، بل اختارت عدم التعليق على الواقعة. وفي الرياض، قُرئ صمتها على أنه مناورة دبلوماسية، فيما تنصّ التفاهمات بين الجانبين على تشكيل جبهة عربية موحّدة، تضمّ القاهرة، بهدف التعامل «المنضبط والمنظّم» مع الإدارة الجديدة في البيت الأبيض.
يتصاعد التوتُّر بين السيسي وابن سلمان في ظلّ التنافس بينهما على المكانة الإقليمية لبلديهما

وأثار موقف القاهرة غضب الأمير السعودي، الذي سبق له أن استقبل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بحفاوة مرّات عديدة. إلّا أن قنوات الاتصال بينهما تكاد تكون مقطوعة في الوقت الراهن، بسبب مواقف ابن سلمان التي يرى السيسي أنها تضرّ بدول الجوار، وآخرها سعيه إلى إلزام الشركات بنقل مقرّاتها الإقليمية إلى المملكة، وهو ما سيتسبّب في خسائر اقتصادية فادحة، ليس لمصر وحسب، بل للإمارات أيضاً. وعلى رغم أن السيسي كتب تدوينة يهنّئ فيها وليّ العهد السعودي على تعافيه من الجراحة التي خضع لها أخيراً، لكن هذه «اللفتة» لا تعدو كونها رسالة روتينية، لا تعكس حقيقة التوتُّر المتصاعد بين الرجلَين، ولا سيّما في ظلّ التنافس بينهما على المكانة الإقليمية لبلديهما. وبخلاف المشكلات التي كان يجري احتواؤها بهدوء في السابق، اختار النظام السعودي أن يصعّد هذه المرّة عبر التشكيك في شرعيّة حُكم السيسي؛ وفي هذا السياق، تحدّث وزير الدولة السعودي لشؤون أفريقيا، سفير الرياض في القاهرة لأكثر من 25 عاماً، أحمد القطّان، عن تزوير الجيش المصري لنتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2012. وكرّر القطّان الحديث عن سيناريو سبق لعضو مجلس الشيوخ الحالي، الصحافي عماد الدين حسين، أن أشار إليه، ومفاده بأن السماح بوصول «الإخوان» إلى الحكم كان يهدف إلى حرقهم وإفساح المجال مجدّداً أمام عودة الجيش إلى السلطة. واعتبر القطان أن الفائز في الانتخابات هو الفريق أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد حسني مبارك، والمقيم في مصر في الوقت الحالي تحت الإقامة الجبرية، بعدما رُحِّل من أبو ظبي إلى القاهرة، ومُنع من الترشُّح للرئاسة. وفي حديثه التلفزيوني عن انتخابات عام 2012، قال القطان إن السفيرة الأميركية في القاهرة هي التي ضغطت لإعلان فوز محمد مرسي، مؤكّداً ثقته بأن الجيش لم يكن ليسمح لهذا الأخير بالاستمرار في الحكم لأكثر من عام، بما يعني أن ما حدث في 30 حزيران/ يونيو 2013 من حراك في الشارع لم يكن سوى جزء من مشهد انقلاب سبق أن دعمته بلاده، وأوصل السيسي إلى السلطة. وما إشارة القطّان إلى هذه التفاصيل سوى تذكير من السعودية للسيسي بأن وصوله إلى الرئاسة، بعدما كان وزيراً للدفاع، جاء بمباركة المملكة ودعمها، وبالتالي فهي تتوقّع أن يكون هناك ردّ للجميل، حتى مع تغيُّر القيادة السعودية في عام 2015.
ثمّة أجندات متناقضة بين السيسي وابن سلمان، والتوتُّرات بينهما ليست وليدة الموقف من التقرير الأميركي الأخير، ولكن عدّة أمور، في مقدّمها حرب اليمن التي رفض الجنرال المصري التورّط فيها، فيما لم تتّخذ بلاده أيّ إجراءات ضد «أنصار الله»، واكتفت بالبيانات الدبلوماسية، إضافة إلى الرؤية المختلفة لكلا الزعيمين لملفّ المصالحة الخليجية. وحتّى الآن، لا توجد بوادر لإصلاح العلاقة التي لم تتأثّر في الشكل، لكن ثمّة محاولات للحدّ من الشروخ، بلقاءٍ مشترك مع الأطراف الخليجيين، الذين باتوا يلاحظون الاضطراب في العلاقات بين الرئيس المصري ووليّ العهد السعودي.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا