تتكرر حوادث العمل في المنطقة الصناعية في زوق مصبح. إلا أن انهيار مبنى بكامله أمس كان له دويّ كبير، حيث نجحت فرق الدفاع المدني في إخراج اللبناني و«رأت» أحد الهنديّين ميتاً، وتستمر أعمال البحث لمعرفة مصير العامل الهندي الثاني «الذي لم تصدر عنه أي إشارة حياة»
ريتا بولس شهوان
قرابة الخامسة والنصف من فجر أمس، هرع ابراهيم حسين و7 من العمال خارج معمل «فولدا» للألومينيوم في المنطقة الصناعية ـــــ زوق مصبح، بعد رؤيته قطعاً صغيرة تتساقط «متل الشتي» من السقف، على حد قوله. ابراهيم أكد أن 4 آلات فقط كانت تعمل هذه الليلة، عندما كان موجوداً في الطبقة الأرضية للشركة قبل دقائق من خروجه والعمال مسرعين. بعد خروجهم بسبع دقائق، انهار المبنى. لم يكن ابراهيم حسين الوحيد الذي شعر بخطر انهيار مبنى المعمل. فهناك أيضاً إيلي حبيب، الذي كان في المصعد الكهربائي متوجهاً من المبنى الإداري غير المتضرر، وهو بناء أجدّ من مبنى المعمل الذي بني عام 1982. إيلي لم يصب بأي مكروه، فثلاثون ثانية فصلته عن الموت. لم يعبر الى المبنى المنهار، لكنه شاهد «طقطقة» الأساسات على حد تعبيره، خلال وصفه مشهد وقوع الطبقات الست بعضها على بعض. أما إيلي عضم وهو شاهد عيان وموظف في الشركة فقد وصف المشهد لـ«الأخبار» كما رآه من المصعد الكهربائي للمبنى الإداري الملاصق لمبنى معمل الألومينيوم: «هبط المبنى على مرحلتين. أولًا انهارت أعمدة (حسب تعبيره «انفجرت») ثم هبطت الطبقات السفلى، ثم هبط السقف». هكذا بقي داخل المبنى ثلاثة من زملائه تحت الأنقاض هم: حارث عبود (30 عاماً) وهو من عمشيت وكان قد أنهى عمله قرابة الخامسة والربع فجراً، وبقي ليكتب تقريره اليومي في زاوية من زوايا المعمل في الطبقة الثانية، حسب ما ظهر للدفاع المدني وإداري الشركة (دون الصحافة) في شريط الفيديو الذي صوّرته كاميرات مراقبة تابعة للشركة. أما بالنسبة إلى العاملين الهنديين «وانيرمان» و«فالو»، فقد اتضح (حسب الفيديو) أنهما كانا في الطبقات السفلى، ما صعّب على الدفاع المدني عملية سحبهم.
خبر انهيار مبنى المعمل فاجأ الموظفين الذين وقفوا أمام المعمل لثلاث ساعات دون كلام. هؤلاء وصلوا صباحاً الى الشركة وفي بالهم أن هذا النهار هو يوم عمل طبيعي. فوجئوا بسيارات الدفاع المدني والصليب الأحمر، وإشارات حمراء وبيضاء تمنعهم من الدخول الى موقف الشركة الملاصق للبنايات السكنية، حيث وقف الجميع.
انهار المبنى. عازار حبيب، أحد الموظفين، يقف مصدوماً. فبالنسبة إليه أكثر من 20 سنة عمل انهارت. الخراب محصور في رقعة ضيقة، تكدست فيها الطبقات الواحدة فوق الأخرى. ومع ذلك كان يمكن أن يقتل مئة وثلاثون موظفاً، لو حصل هذا الحادث في دوام عمل طبيعي. طبقة فوق أخرى وثلاث ضحايا. صعوبة وصول فرقة الإنقاذ الفرنسية (التي كانت هنا بالصدفة لتدريب الدفاع المدني) الى الناجي الأول، كانت ظاهرة. فحسب ما يقول العقيد بيار سالم مستشار وزير الداخلية، إن طريقة هبوط طبقات المبنى بعضها على بعض تؤخر عملية انقاذ الضحايا. فالوصول إليهم يجب أن يكون عبر إحداث فجوة في السقف، ما قد يسبب انهيارات متعددة إن لم تحصل عملية الحفر في السقف بطريقة منهجية، وقد تقتل باقي العمّال المحجوزين في الطبقات السفلى. هكذا، بدأت عملية الإنقاذ المنهجية بسحب حارث عبود أولاً، الذي كان صراخه وحده مسموعاً، دون العاملين الهنديين، منذ ساعات الصباح الأولى، حتى موعد إنقاذه. عبارة «بدي ميّ» طغت حتى على أصوات كل من كان هناك. «حرّك يديه ورجليه»، صرخ أحد الرجال. فيسأله أحدهم «يعني منو مشلول؟ حارث محور اهتمام الجميع، ومع ذلك عملية إنقاذه تأخرت. الكل كان ينتظر: يعقوب، الأخ الذي تبلّغ الخبر من أحد زملاء أخيه في الشركة. مهندس الشركة الذي جلس وحيداً على الأرض، رافضاً الإجابة عن أسئلة الصحافة. ومحامي الشركة الذي كان يستقبل الصحافة بعبارة «ما تخبّروا العالم تكهنات، كونوا موضوعيين»، مشيراً الى بيان صادر عن الشركة تطلب من الصحافة الالتزام به. أصحاب الشركة كانوا خائفين. فصاحب الشركة يرفض مواجهة الصحافة، غضب قريبة مدير المعمل بدا واضحاً. فهي كانت تصرخ بالصحافيين، طالبة منهم الخروج من محيط الشركة، رافضة الإجابة عن أي سؤال، مردّدة «ما بيحقّ لك تسأل، اكتفي بالبيان». لم تكن هذه حال أخي الضحية، الذي أمل خيراً، مردّداً «يطلع حارث بالسلامة وكلو بيهون». وطلع حارث، بعدما نجح الدفاع المدني في سحبه في الرابعة والنصف بعد الظهر، علماً بأن فرقة الإنقاذ الفرنسية المؤلفة من 4 عناصر، كانت قد توقعت إخراجه في الثالثة من بعد الظهر. أما العاملان الهنديان، فقد حدد مكانهما من دون معطيات عن وضعهما. وعن احتمال بقائهما على قيد الحياة، بعد مرور أكثر من 10 ساعات؟ لم تستطع «الأخبار» الحصول على جواب واضح من الدفاع المدني الذي اكتفى بالقول إن الآلات المستخدمة لا تكشف إذا كان الضحايا على قيد الحياة. لكن، بعيد السادسة بقليل رأى عمال الإنقاذ أحد الهنديين وكان رأسه وصدره خارج الأنقاض، لكنه ميت. أما العامل الثاني فإنه «لم يعط أي إشارة حياة» حسب الدفاع المدني. وافادت فرق الإنقاذ انها ستستمر في البحث حتى استكمال المهمة. وكانت الشركة قد أصدرت البيان الآتي: «عند الساعة الخامسة والنصف من فجر اليوم (أمس) تعرض جزء من المبنى العائد للشركة للانهيار، لدى خلوه من العمال إلا من ثلاثة يتم البحث عنهم. الجزء المنهار من المبنى شيد في عام 1982 وهو من المعدل الطبيعي لعمر الأبنية في المنطقة. تطلب إدارة الشركة من وسائل الإعلام الامتناع عن التكهنات حول أسباب الانهيار بانتظار نتائج التحقيق الجاري».


الحمولة الزائدة

قال رئيس بلدية زوق مصبح، شربل مرعب إنه كان قد اجتمع بمهندس شركة «فولدا» منذ أسبوع، بعدما قدم أهالي الزوق شكوى نتيجة انزعاجهم من الأدخنة الصاعدة من المعمل. وقال رئيس البلدية إنهم كانوا قد بدأوا عملية مسح المنطقة الصناعية بهدف البحث عن مخالفات الأبنية منذ أسبوع. وفي اتصال للأخبار مع ميشيل عقيقي مهندس البلدية، وسؤاله عن أسباب انهيار المبنى، أشار الى أن الحمولة الزائدة قد تكون أحد أسباب انهيار المبنى، وخصوصاً أن الشركة لم تقم بأي عملية صيانة للمبنى منذ عام 1982، غير أن أحد المديرين نفى ذلك.