جوان فرشخ بجالييمثّل ترميم التكية المولوية في طرابلس وخان الأشقر في صور، صورة مصغرة عن «نهضة» ترميم الأبنية التراثية التي يعرفها لبنان منذ سنين.
معروف طبعاً أن كلّ عملية ترميم تأخذ طابعاً سياسياً معيناً. وفي طرابلس، هي الدولة التركية التي تحاول جاهدة أن تبرز تخطيها عقدة الدولة العلمانية تجاه تاريخها الإسلامي بعدما جهدت دولة أتاتورك في نفي تاريخ السلطنة العثمانية وإرثها الممتد عبر البحار، فتغاضت عنه. الحكومة التركيّة الحالية، بدّلت هذه السياسة وبدأت تبرز تاريخها لطرح نفسها كدولة عظيمة ذات امتداد ثقافي واسع. أحفاد السلاطين عادوا إلى اسطنبول وهم يعيشون هناك اليوم، وها هي السلطة السياسية التركية تدشّن المباني العثمانية المرمَّمة حديثاً في أرجاء الإمبراطورية الحديثة. تركيا، اليوم، وهي خليفة السلطنة، تصوّر نفسها بترميمها هذه المباني، كقوة عظمى تلعب في الدول «الفقيرة» الدور عينه الذي تلعبه الدول الأوروبية الغنية... هي أيضاً تهتم بالتاريخ وتحاول إنقاذه!
على الرغم من هذا التسييس، تبقى الخطوة التركية إيجابية لكلّ من تركيا ولبنان، بما أنها تنقذ أحد المباني التاريخية. والثمن الذي يدفع اجتماعياً لا يزال زهيداً، بما أنه لا يستثمر سياسياً. وهنا يكمن الفرق بين عمليتي ترميم التكية المولوية وخان الأشقر. ففي صور، إنها الفعاليات السياسية التي تتقدّم خطوة صوب التاريخ والتراث، فتحاول إنقاذ المبنى والحرف القديمة، وفي الوقت نفسه، ربما، تجد حلاً لليد العاملة اليافعة. كلّها خطوات إيجابية لولا أنها تأخذ صبغة سياسية. ففي ذهنية المدينة، من اليوم وصاعداً، سيرتبط الخان بأل برّي، ولو حاول هؤلاء قول العكس أو فعله. والأيام المقبلة ستشهد على ذلك.
هذه ليست المرة الأولى التي تسيّس فيها المباني التاريخية. فمنذ ثمانينيات القرن الماضي والعائلات السياسية تحاول خلق رابط لنفسها مع التاريخ عبر ترميمها الأبنية التراثية المهمة. والشاهد الأكبر على ذلك هو خان الإفرنج في صيدا بعدما رمّمته وأهّلته مؤسسة الحريري فتحول «قاعدة» لها.
لكن، يجب القول إن المشكلة ليست في العائلات السياسية، بل في دولة تتغاضى عن التاريخ لدرجة خلق فراغ هائل يتيح لكلّ من يريد إبراز نفسه «كفاعل خير» التسلل منه.