فتح مجهول النار على حافلة تُقلّ عمالاً سوريين ليل أول من أمس في دير عمار. قُتل عامل وجُرح آخرون. مات عبد الله عواد وهو يسعى إلى «فرصة عمل». وزير الخارجية السوري طلب إطلاعه على نتائج التحقيق. وتزاحمت أمس عشرات التعليقات المستنكرة... لكن ثمة فقراء يدفعون دوماً الثمن
دير عمار ـ عبد الكافي الصمد
«تبلغتُ بوفاة ابني قرابة الساعة الرابعة من فجر أمس، فأتيت فوراً إلى هنا لمعرفة ماذا يحصل». بهذه العبارة، وبصوت متهدج وعين دامعة، يوضح عبد العايد بن عواد، ابن مدينة الرقة السورية، كيفية تلقيه خبر وفاة نجله عبد الله ابن الـ17 ربيعاً، بعد تعرض باص سوري (مسجَّل في الرقة ويحمل الرقم 840146) كان يقلّه هو و26 عاملاً آخرين من الرقة إلى بيروت، لإطلاق نار من مجهولين في بلدة دير عمار على الطريق الدولية التي تربط طرابلس بالحدود الشمالية.
وقعت الجريمة بعد ساعات من عودة الرئيس سعد الحريري من زيارته الأولى لدمشق للقاء الرئيس بشار الأسد، ما استدعى الشكوك في كونها رسالة سياسية. فاجعة الوالد بمصابه بدت بوضوح عند وصول نجله الآخر من بيروت. أجهشا بالبكاء وهما يتعانقان، فيما ظهر التأثر الشديد على بقية الركاب.
الاعتداء على الباص أرخى ذيوله الثقيلة على البلدة، وخصوصاً أنها لم تشهد في السنوات السابقة، وتحديداً بعد اغتيال ابن البلدة الرائد في فرع المعلومات وسام عيد، ولا قبل ذلك بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أي ردات فعل سلبية تجاه العمال السوريين، كما كان يحصل في بلدات شمالية أخرى تمرّ بها باصات وسيارات سورية. لذا تخوّف رئيس البلدية أحمد عيد من أن يكون مَن قام بالعملية «اختار دير عمار وما ترمز إليه سياسياً لتوريطها».
وفيما أشار معظم القاطنين في جوار موقع الجريمة إلى أنهم سمعوا ليلاً إطلاق نار لم يعرفوا أسبابه ولا مصدره، كشف مسؤولون أمنيون لـ«الأخبار» أن الحادث وقع قرابة الساعة الثانية إلا عشر دقائق ليلاً على بعد نحو 100 متر من مبنى بلدية دير عمار لجهة المنية، وأن 7 رصاصات أُطلقت من بندقية كلاشنيكوف، أصابت 3 منها زجاج الباص الذي تكسر، وأن السائق لم يتوقف، بل تابع سيره قرابة 300 متر باتجاه حاجز القوة المشتركة لضبط الحدود ومراقبتها، الموجود عند مدخل البلدة ومدخل معمل دير عمار لإنتاج الطاقة الكهربائية، حيث توقف هناك قبل أن يتبين له وللركاب أن عبد الله العايد توفي على الفور بعد إصابته برصاصة في قلبه، وأن آثار الدماء تبدو بوضوح على أرض الباص وعلى الأرض في موقع الحاجز حيث توقف. وفجر أمس حضر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر إلى المكان وأعطى توجيهاته إلى الشرطة العسكرية في الجيش التي تولّت التحقيقات.
وأشار مسؤول أمني إلى أن مظاريف ورصاصات فارغة عُثر عليها في المكان الذي أُطلق منه النار، وهو يقع في منطقة حرجية غير مأهولة، ترتفع نحو 4 أمتار عن الطريق، وقد استُعين بكلاب بوليسية مدربة للمساعدة في كشف ملابسات الحادث.
وإذ ضربت القوى الأمنية طوقاً في المكان، ونفذت عمليات دهم أوقفت خلالها ناطوراً يعمل في البلدية يدعى غسان ع. لأخذ أقواله، فإن الحاجز الذي أقامه الجيش اللبناني في المكان سبب زحمة سير امتدت لساعات على طول الطريق الدولية، وهي لم تنته إلا بعد نحو 4 ساعات.

تعرض الباص منذ نحو شهرين لاعتداء بالحجارة وأُبلغت القوى الأمنية بالأمر
الخوف والذهول على وجوه العمال السوريين كان بادياً، وكذلك علامات البؤس والفقر: ثيابهم بسيطة ورثّة، لحاهم غير محلوقة ولا مشذبة، شعر رؤوسهم منكوش. اقتيدوا إلى موقع القوة الأمنية المشتركة المحاذي للطريق لأخذ أقوالهم، وجلبت لهم بلدية دير عمار فطوراً، هو عبارة عن مناقيش ومياه معدنية وعصير.
سائق الباص عبد العزيز جرجب أوضح لـ«الأخبار» أن لا أحد من ركاب الباص رأى أو سمع ما حصل، لأن معظمهم كانوا نائمين، وأنهم سمعوا صوت رشقة واحدة من الرصاص. رفض جرجب اتهام أحد بالاعتداء على الباص، إلا أن مسؤولاً أمنياً أوضح أن السائق كشف خلال التحقيقات أنه على خلاف مع شخص يدعى شوقي ي. من بلدة الشيخ عياش في عكار بعد تشاركهما معاً في تهريب بضائع من سورية، وأن تلاسناً وقع بينهما منذ فترة.
خبر الاعتداء على الباص الذي وصل سريعاً إلى سوريا، دفع صاحبه إلى المجيء سريعاً إلى لبنان بواسطة باص آخر يملكه (مسجل في دمشق ويحمل الرقم 450876)، وأوضح ـــــ بعدما فضّل عدم كشف اسمه ـــــ أنه أتى من الرقة مباشرة مع والد الضحية، وأن باصه «تعرض منذ نحو شهرين لاعتداء بعدما قذفه مجهولون في المنطقة نفسها بحجارة فأصابوا ركابه، وأنه أبلغ القوى الأمنية بالأمر، إلا أن الفاعل بقي مجهولاً».
من جهته، أوضح والد الضحية أن ابنه «كان في طريقه إلى بيروت للعمل في ورشة بناء مع شقيقه، وهي المرة الثانية التي يأتي بها إلى لبنان بعدما جاء في وقت سابق ليوم واحد فقط». وختم حديثه قائلاً: «لا أعلم إن كنت سأتسلم جثة ابني اليوم أو لا».


عنصريّة؟

علمت «الأخبار» أنه تمّ التعرّض لعمال سوريين خلال اليومين الماضيين في طرابلس. إذ أشار أحدهم إلى أن شباناً تهجّموا عليه وحاولوا اعتقاله ووضعه في صندوق سيارة في ساحة التل في طرابلس ليل أول من أمس، إلا أنه لاذ بالفرار، بعدما انهالوا عليه وعلى الرئيسين بشار الأسد وسعد الحريري بالشتائم. وفي خطوة لم يسبق لمسؤول سوري أن قام بها، رغم وقوع العديد من حوادث الاعتداء على عمال ومواطنين سوريين في لبنان منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، اتصل أمس وزير الخارجية السوري وليد المعلم بنظيره اللبناني علي الشامي، طالباً منه «إعلام سوريا بالسرعة الممكنة بمجريات التحقيقات التي تجريها السلطات اللبنانية ونتائجها وتحديد الفاعلين ومن يقف وراءهم».


استنكارات وفتفت يستبق التحقيق

تابع رئيس الحكومة سعد الحريري موضوع حادثة إطلاق النار على الباص، وأجرى لهذه الغاية اتصالات بالقيادات الأمنية المعنية، طالباً منها الإسراع في إجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة الجناة وملاحقتهم. بينما كان لافتاً أمس توصيف النائب أحمد فتفت ما حصل بأنه «حادث أمني مدبَّر» لإحداث فتنة، وذلك استباقاً لنتائج التحقيق. وتكرّرت استنكارات على لسان وزير الاقتصاد والتجارة محمد الصفدي ووزير الخارجية علي الشامي ونواب حاليين وسابقين، منهم قاسم هاشم ، خضر حبيب، قاسم عبد العزيز ومعين المرعبي ومصطفى علي حسين وعدنان عرقجي. كذلك استنكر الاعتداء الامي العام للحزب العربي الديمقراطي علي عيد و«جبهة العمل الإسلامي» وإمام مسجد الغفران الشيخ حسام العيلاني ورئيس التنظيم القومي الناصري سمير شركس وغيرهم.