تثير قضية التلميذة غوى البعريني (12 عاماً) التي تعرضت بسبب حجابها لمضايقات من أستاذها في مدرسة المحامي حنا الخوري جرجس الشالوحي، الكورة، مجموعة من القضايا حول تعايش الطوائف بعضهم مع بعض في عاصمة الشمال، التي كثيراً ما استوعبت المتديّنين وغير المتديّنين من أهلها
طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
لم تشهد طرابلس، التي تتميز مدارسها وثانويّاتها باختلاط واسع، طلاباً وأساتذة، حتى في عز سنوات الحرب الأهلية، أيَّ تعرض لمدير أو أستاذ أو تلميذ، بسبب مظهره أو سلوكه الديني. فقد كان الاختلاف طبيعياً. أحد الأساتذة المخضرمين، الذي آثر عدم ذكر اسمه لأسباب مهنية، يشرح كيف «كنا نعمل على تهيئة الأجواء داخل الصفوف لتقبل الطلاب بعضهم لبعض، وخصوصاً من هم من طوائف ومذاهب مختلفة، فقد كنا نجلسهم جنباً إلى جنب ونرفض فرزهم، إضافةً إلى فضّنا لخلافات كانت تنشب بينهم من حين لآخر». إلا أن الحرب بخّرت جهود هؤلاء الأساتذة، فطرابلس لم تنجُ من الإصطفاف المذهبي الذي حلّ في جميع أنحاء الوطن. هكذا، هجّرت تلك الحرب إدارات مدارس خاصة ذات صبغة مسيحية، سرعان ما نزحت إلى مناطق مجاورة، حاملةً معها نسبة عالية من طلابها المسلمين. أما المدارس الباقية، فقد بقيت في المدينة طبيعياً، وتالياً بقي طلابها المسلمون يوازون عدد الطلاب المسيحيين إن لم يكن أكثر، بسبب حرص عائلات طرابلسية مسلمة «مرتاحة» اقتصادياً على إرسال أبنائها إلى هذه المدارس لأن «مستواها التعليمي أفضل من المدارس ذات الصبغة الإسلامية». وبما أن النظام الداخلي لمدارس الإرساليات كان يحظر ارتداء الفتيات الحجاب في الصف، فقد كانت التلميذات ينزعن حُجُبَهن داخل المدرسة ويرتدينها بعد خروجهن منها، من غير أن يسبّب ذلك أي مشاكل أو ردود فعل، لكون الأهل مطّلعين مسبّقاً على الأنظمة الداخلية لهذه المدارس، وشروط الانتساب إليها. تلك المعادلة لم تعد مقبولة اليوم. وأصبح الأهالي يرفضون تسويات من هذا النوع. هذا هو بالضبط ما حدث للطالبة غوى البعريني. فردّاً على المضايقات التي تعرّضت لها، تمسّكت التلميذة بحجابها، ولجأت إلى المحاكم مطالبةً بصون حقّها في ممارسة فروضها الدينية، إذ تقدّم ذووها بدعوى ضد المدير والأستاذ لدى النيابة العامة الاستئنافية في الشمال الاثنين الفائت، ثم حوّلت الأخيرة الدعوى إلى فصيلة درك أميون، التي باشر عناصرها أمس الاستماع إليها، وإلى والدها لأخذ إفادتيهما.
أما في زغرتا المجاورة، فالتسويات غير مطروحة أصلاً، إذ إن انتساب تلامذة من الضنية وأطراف طرابلس لمدارسها جعلهم يكوّنون أغلبية في بعض مدارسها الرسمية، كما هي حال مدرسة مجدليا الرسمية، التي تصل نسبة التلامذة المسلمين فيها إلى 75%، بينما معظم الموظفين في الجهازين الإداري والتعليمي فيها من المسيحيين، وكذلك الأمر في مهنية زغرتا ودار المعلمين فيها، حيث إن «مشهد الطالبة أو المعلمة المحجّبة، أو الطالب والأستاذ الملتحي بات مألوفاً»، كما يردّد أبناء البلدة.
في الضنية يكاد الأمر يكون مشابهاً، إذ إن نحو 90% من طلاب مدرسة الخرنوب الرسمية، الواقعة في الطابق الأرضي لكنيسة البلدة هم من المسلمين. وفي مدرسة حقل العزيمة الرسمية المجاورة للكنيسة، يتوزّع التلامذة مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين، وكذلك الأمر تقريباً في مدرسة كفرحبو الرسمية، من غير أن يسبّب ذلك أي حرج، بل إنه «يعدّ أمراً طبيعياً لم يتوقف عنده أحد، في منطقة لم تشهد تعرضاً لاي طالب سواء أكان مسلماً أم مسيحياً»، على حد قول أحد أبناء القرية. وفي المنية، يشير مواطنون إلى أن المدرسة الرسمية الكائنة في الحي المسيحي في البلدة، وتضم 500 تلميذ جميعهم مسلمين «لم تشهد أي حادث يشير إلى التعرض لأحد فيها بسبب معتقده، أو مظهره الديني».


ليست المرة الأولى وربما لن تكون الأخيرة