البقاع الشمالي ـــ رامي بليبللم يُغمَض جفنا أبي جورج الليلة الماضية، فقد كانا شاخصين بحسرة من نافذة منزله الترابي العتيق إلى أرضه التي اجتاحها السيل جارفاً إلى الزرع، أحلامه بموسم يعينه على قضاء أشهر الشتاء القارس. لم يأت السيل على حين غرة، ففي الوقت نفسه من كل عام، يتحرى أبناء البقاع الشمالي، ولا سيما القاع والهرمل، أحوال الطقس، فهم حتماً على موعد مع السيول التي تجرف المزروعات وتخرّب الأشجار المثمرة والبيوت البلاستيكية والمطاعم والمقاهي، وحتى برك الأسماك المنتشرة على ضفاف نهر العاصي. وحكاية السيل حفظها الأهالي عن ظهر قلب، فمع «أول شتوة» تتجمع المياه مكوّنة سيلاً جارفاً ينحدر من أعلى السلسلة الشرقية نحو سهل القاع، حاملاً معه كل ما يواجهه من أشجار وحجارة وأتربة ويسلك طريقه في أراضي القاع، وتحديداً في ما يعرف بكرم سلوم مقتلعاً المزروعات ليتجمع في طرف البلدة مكوّناً بركة كبيرة من المياه الموحلة يعرفها القاعيون ببركة ورق الحوش ليعود بعد ذلك ويتخذ طريقه إلى الهرمل حيث يصبّ في نهر العاصي بعد أن يتحد مع السيول الآتية من جرود بلدة رأس بعلبك فيرفع مستواه ويحوّل مياهه الصافية إلى مياه موحلة تضرب ما بقي في مزارع السمك من أسماك الترويت بعد أن يكون السيل قد جرف أطناناً منها مخلفاً خسائر كبيرة، بالإضافة إلى ما يلحق بالمنشآت السياحية والبنى التحتية من تخريب وتكسير، ولا سيما في جسر العاصي الذي اقتلعه السيل مرتين في ما مضى.
منسّق هيئة التيار الوطني الحر في القاع، منصور سعد، تحدث عن مشروع سبق أن بدأ العمل به عند سفح السلسلة الشرقية لبلدة القاع، حيث بُنيَ ساتر صخري خلف مزار سيدة التلة تتفرع منه سدود صغيرة هدفها تشتيت قوة المياه، وقد ثبتت فاعليته في ردّ جزء من الأذى الذي كان يلحق بالبيوت والمدارس المنتشرة على طريقه. استدرك سعد قائلاً: «لكن، هذا السد لا يكفي، ولا بد من تتمة للمشروع تقضي ببناء بركة مياه كبيرة بكلفة 29 مليون دولار، بالإضافة إلى سواتر ترابية تحمي البيوت والمزروعات من أخطار السيول، علماً بأنّ الاعتمادات المالية متوافرة والدراسات جاهزة، لكن غياب الدولة وعدم وجود بلدية في القاع جعلا المشروع طيّ النسيان».
ويشير عقيد عابدين، صاحب مطعم ومقهى متضرر من السيل، إلى أن ارتفاع السيل الذي ضرب المنطقة الخميس الفائت «بلغ متراً ونصف متر، وكان ينحدر بسرعة هائلة، وقد استمر تدفقه من الثالثة والنصف بعد الظهر حتى الرابعة والنصف، حاصداً بيدر الذرة وبرك الأسماك وكل ما اعترض طريقه من أشجار أو طاولات وغيرها». ويسأل عابدين: «إذا سلّمنا أن لا بلدية في القاع، فماذا تفعل بلدية الهرمل؟»، مطالباً الدولة بتحمّل مسؤولياتها.
«وعلى الرغم من عدم وجود إمكان لتنفيذ مشاريع تحويلية للسيول (علماً بأنّ الأمكنة التي يجب أن تقام فيها تلك المشاريع خارج نطاق صلاحية البلدية)، إلا أن فرق الأشغال التابعة لبلدية الهرمل تفتح دائماً الطرقات بواسطة الجرافات وتنظف المجاري المائية، وتتابع ملفات المتضررين التي خضعت وتخضع دائماً للبازار السياسي حيناً وللإهمال والاستهتار الرسميين تارة أخرى»، يقول عضو بلدية الهرمل جمال خزعل.