أحمد محسنلم يجتمع الضباط في مجلس قيادة قوى الأمن الداخلي منذ فترة طويلة. كل شيء متعلّق بهذا المجلس الأساسي في تركيبة المؤسسة كان متوقفاً. دمّرته التجاذبات السياسية. شلّته تماماً. أما عن سير الأمور التي تتطلب موافقة المجلس واجتماعه، فالله وحده يعلم كيف كانت تجري. اجتمع الضباط أخيراً. لكنّ اجتماعهم الأخير منذ عشرة أيام، وفقاً لمسؤول أمني رفيع في المؤسسة، كان طارئاً وضرورياً. كان هدفه البت في قضية 66 رتيباً، خاضوا امتحانات الترقية منذ آذار 2007، ودفعوا ثمن التجاذبات على مستوى مجلس القيادة، والتوازنات الطائفية، فلم ينالوا ترقيتهم حتى الآن. أصرّ بعض الضباط في مجلس القيادة في الاجتماع الأخير، من المعارضين للمدير العام، على أن تؤخذ القرارات في الاجتماع المذكور بالتوافق، وخاصةً أنها ستنحصر في شؤون لا تحمل طابعاً سياسياً صرفاً، وتتعلق بقضايا إدارية بحتة، يُعنى بها أفراد المؤسسة. واليوم، وغداً، سيجلس ضباط مجلس القيادة إلى الطاولة نفسها. سيضعون خلافاتهم السياسية القديمة ـــــ الحالية، ويخصّصون اجتماعهم لتأليف لجنة تضع الأسئلة لامتحانات الرتباء، الذين ينتظرون ترقيتهم إلى مصاف الضباط، والحصول على رتبة ملازم. أنهى هؤلاء دورتهم التدريبية في معهد قوى الأمن الداخلي، التي استمرت ستة أشهر.
أكد أحد الضباط أن الخلافات مستمرة وأنه سيشارك في الاجتماع لأسباب «إنسانية»
عانت المؤسسة كثيراً، على المستويين الأمني والسياسي، ودفع الضغط الأمني الذي واجهته القوى الأمنية، من إجراء الانتخابات النيابية وتحمّل مسؤولية الأزمة الأمنية الشائكة في البلاد، باتجاه إصدار هذه المذكرة استثنائياً. لاحقاً، تأجّلت الامتحانات النهائية لترقية الرتباء، وتوزعوا بين القطعات، وشكى عدد منهم من صعوبة الوضع الذي عانوه في مواقع خدمتهم المتغيّرة وغير المستقرة. وبشأن هذه النقطة بالذات، أعرب مسؤول أمني عن خشيته من أن «تطير» الترقيات، ويصبح هؤلاء الرتباء كبش محرقة على مذبح طاولة مجلس القيادة. أبى الأخير الانعقاد طيلة الفترة السابقة، بسبب الخلافات السياسية الفجّة داخله، بين فريق يقوده اللواء أشرف ريفي، وفريق آخر معارض يتألف من خمسة ضباط أساسيين يشغلون مناصب مهمة، كقيادة الدرك الإقليمي، والمفتش العام، ورئيس وحدة أمن السفارت، والإدارة المركزية، ورئاسة الأركان، علماً بأن مقاربة الخلافات مع ريفي مختلفة داخل الفريق المعارض، وربما يكون السبب الأخير قد سهّل مهمة المدير العام للمؤسسة في عقد الاجتماع «الاستثنائي» اليوم. وفي هذا الإطار، أكد مقرّبون من ريفي أن الأمور ستجري على ما يرام، وبالتوافق بين ضباط المجلس، وستوضع الأسئلة للامتحانات كي تجري الأمور على ما يرام ويحصل الرتباء على ترقياتهم بطريقة قانونية وصحيحة. وعلمت «الأخبار» من مصدر متابع أن وفداً من هؤلاء الرتباء ألّف لجنة زارت اللواء ريفي، وبحثت معه في القضية، فكان الأخير متفهّماً جداً لظروف الانتظار القاسية التي يعانونها، ووعد بأن ىعمل جاهداً لتوفير الظروف التي تسمح بانعقاد مجلس القيادة وبتّ الأمر. وبالفعل، تقرر الموعد اليوم.
وفي الحديث عن مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي، لا بد من الإشارة إلى عقدة «المعلومات». حيث لم توفّق محاولات اللواء ريفي انتزاع قرار من مجلس القيادة بقوننة عمل الجهاز المذكور، وتحويله من فرع إلى شعبة، رغم أن الجهاز يتصرف كشعبة، وهناك فريق كبير في المؤسسة يتعامل معه على هذا الأساس. تفجّر الأمر في مجلس القيادة حين رفض عدد من المحسوبين على المعارضة السير في القرار. أدّت نتائج الانتخابات إلى استمرار الواقع الحالي، وتالياً، استمرار «شعبة المعلومات»، فيما لم يقم وزير الداخلية بإحالة ملفها إلى مجلس الوزراء لتعديل المراسيم القانونية المنظّمة لعملها. وهنا بيت القصيد، إذ لا يمكن الحديث عن أي اجتماع لمجلس القيادة من دون التطرق إلى «معضلة» المعلومات، والخلفيات السياسية التي يتمترس خلفها الفريقان من الضباط: الفريق الأول الذي يقوده اللواء ريفي ويرى في عمل فرع المعلومات إنجازاً للمؤسسة، والفريق المعارض الذي يطلق سهامه على الجهاز، متهماً إياه بالولاء لفريق سياسي واحد، مهما بلغت أهمية إنجازاته خلال الحقبة التي تلت اغتيال الرئيس الحريري. على أي حال، لن يُحدث الاجتماع اليوم خرقاً للروتين القاتل الذي أصاب قوى الأمن الداخلي في صميمها، أي مجلس قيادتها. ولفت أحد الضباط إلى أن الأمور ليست واضحة حتى الآن في المسائل الأساسية، لكنّ ترقية الرتباء أولوية إدارية ووطنية. في المقابل، أكد ضابط رفيع آخر نيّته الذهاب إلى الاجتماع لأغراض «إنسانية فقط»، وأصرّ الضابط المذكور على أن الوضع استثنائي تماماً، وأن هؤلاء الرتباء لا ينبغي أن يدفعوا ثمن أي خلاف سياسي أو بنيوي يتعلق بالمديرية. وأعلن الضابط رفضه «مصادرة رأي المجلس وقرارته». ورغم اجتماع اليوم، لم يجد مفرّاً من الاعتراف بالحقيقة: «مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي معطّل حتى إشعار آخر».