البقاع ــ عفيف ديابلم تعهد قرية عين عرب في قضاء راشيا زيارة وزراء لها أو شخصيات رسمية ذات شأن خدماتي أو إنمائي. فالقرية التي غافلها وزير المال محمد شطح منقّباً عن الذهب في حرم مقام الخضر، ترى أن كنزها «الذهبي الكبير» موجود في بلاد الاغتراب منذ عام 1900، حين بدأت رحلة مغادرة القرية بحثاً عن عيش أفضل في بلاد الغرب. ويقول رئيس بلدية القرية جوزف العسيس إن القرية تشهد نزفاً مستمراً من خيرة شبابها و«أصبحت بيوتنا خراباً، بعدما هجرها أهلها نحو الولايات المتحدة وفنزويلا وكندا والبرازيل والمكسيك». يضيف: «اليوم، لا يعيش في القرية سوى 400 شخص من أصل 3 آلاف مسجلين في لوائح الشطب، والمنازل المأهولة لا يتجاوز عددها مئة منزل، فيما أكثر من 180 بيتاً خالٍ من السكان منذ أكثر من عقدين من الزمن، وثمّة حوالى 60 منزلاً أصبحت خراباً، وتهدّمت بعض أقسامها بفعل الإهمال والعوامل الطبيعية والغارات الإسرائيلية على البلدة منذ 1970، يوم تحولت إلى مقر للثورة الفلسطينية وممرّ لها».
انتشر أهالي عين عرب في أصقاع الأرض، وبرز منهم العشرات في مجالات السياسة والاقتصاد والأعمال والثقافة والطب. ويقول العسيس إن أبرز الشخصيات السياسية التي احتلت مركزاً مرموقاً هو: «ابن بلدتنا السفير الأميركي الراحل فيليب حبيب، أو المبعوث الأميركي إلى لبنان والمنطقة بعد صيف 1982، إضافةً إلى جيمي عبد النور عضو الكونغرس الأميركي، وطبيب العائلة المالكة في هولندا كارول قيصر العسيس». ويروي العسيس أن جيمي عبد النور اعترض خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان صيف 1982 عند الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان على دخول القوات الإسرائيلية إلى قريته عين عرب، و«إلى منزل عمته جورية عبد النور، وبعد يومين حضرت قوة إسرائيلية، وعملت على نقل جورية إلى فلسطين المحتلة ومنها إلى أميركا، حيث توفيت هناك لاحقاً». ويقول عصام حجازي إن منزل جد فيليب حبيب لم يزل قائماً نسبياً في عين عرب، ولكن العائلة التي هجرت القرية سنة 1920 قطعت كل الأوصال بها.
موقع عين عرب (1300 م. عن سطح البحر) وقربها من الحدود السورية، حوّلاها إلى ممر ومقرّ لعشرات الشخصيات السياسية والعسكرية ولتنظيمات حزبية لبنانية وفلسطينية وكردية. ويقول رئيس البلدية إن: «موقع عين عرب الجغرافي جذب الكثير من الشخصيات والقادة للإقامة فيها. فجمال باشا كان يعبر من عين عرب نحو دمشق أو جبل لبنان، والجنرال شارل ديغول زار بلدتنا سنة 1941 وأقام في أحد منازلها لمدة قصيرة، ومنذ أواخر الستينيات من القرن الماضي وجد فيها ياسر عرفات موقعاً وحصناً أميناً له حتى سنة 1973، واتخذت بعض فصائل الثورة الفلسطينية من البلدة مقراً لقادتها، أمثال جورج حبش ونايف حواتمة وأبو جهاد الوزير وغيرهم من قادة المقاومة الفلسطينية حتى سنة 1982، حيث احتلت القوات الإسرائيلية البلدة حتى ربيع 1985 وأصبحت بعدها تحت سلطة الدولة اللبنانية والجيش السوري».
تمتاز قرية عين عرب بمنازلها القديمة وبيوتها التي أصبحت نادرة في لبنان، وبقايا طواحينها في أسفل واد يُعرف بوادي المال، حيث كانت مياه الأمطار والسيول كفيلة بتشغيلها، إضافةً إلى وفرة الينابيع التي تعدّ صيفاً مصدراً وحيداً نسبياً لاحتياجات الأهالي من المياه. ويقول إمام البلدة الشيخ قاسم حسين إن من بقي من الأهالي: «يعتاشون من الزراعة، أو موظفون في دوائر حكومية، ونعاني مشاكل كثيرة، وأبرزها انقطاع مياه الشفة شبه الدائم». موضحاً أن قريته كانت تشتهر بكروم عنبها وبساتين التفاح والكرز «التي لم تعد موجودة اليوم»، مشيراً إلى أن هناك محاولات من الأهالي لـ«الحفاظ على بيوتنا التراثية وما بقي من قرميد، ونحن نعوّل كثيراً على أهلنا في بلاد الاغتراب بالعودة، أو الاستثمار في القرية».