عبد الرحمن زعزعبعد دقيقة من الصمت، حاولت خلالها جمع أفكاري وفهم تدخّل الوصاية في اللوز، أجبته بلباقة: ما في فرق بين التنين يا عم، ما الأرض وحدة.
لم يعجبه جوابي، وامتعض، صارخاً بلهجته البيروتية: حبيبي، هيدا اللوز مخلوط. ثم انتقى من الحبات الأربعمئة المصفوفة فوق العربة حبة خضراء كالربيع، فروها ناعم: هيدي حبة لبنانية.
مدّ يده وأخذ من العربة حبة أخرى، صغيرة، ضعيفة، حزينة، بدت لي من النظرة الأولى كأنّ نصف مزارعي الحقل قد داسوها قبل أن يدخلوها في الغلّة من أجل الوزن.
ـــــ هيدا لوز سوري.
بعد دقيقتين من الصمت، ومع حيرتي المتفجرة، ورغبتي العنيدة في إكمال الحوار، قلت بشراسة: يا عم، كلامك ليس منطقياً، اختيارك للوزتين ليس مبنياً على حقيقة علمية. إن الأرض نفسها ممتدة في لبنان وسوريا، والاختلافات الزراعية طفيفة. نحن لا نتكلم سياسة، بل جغرافيا.
ــ أنا بعرف لشو عم تلمّح. لا ياحبييبي هناك فرق. لوزنا الأخضر من الجنوب.
غادر الرجل غاضباً، وبقيت أنتظر البائع. لكنه تأخّر، فقررت أن أشتري من بائع السجائر المفوّض عنه.
ناديته قائلاً:
ـــــ سوف أشتري منك، فقد تأخر الرجل. لماذا يا ترى؟
فأجابني:
ـــــ بدّو ساعة ليصلّي. نص ساعة ليتوضأ ونص ساعة تيلاقي حَجرة.
بعد ثلاث دقائق من الصمت والتأمّل، أخذت اللّوز وعدت إلى عالم الهندسة.