يُفترض أن يعلن القاضي فرانسين قراره بشأن خروج الضباط إلى الحرية، أو يمدد احتجازهم. يصرّ البعض على أن الضباط قد يبقون «متّهمين»، بينما يشير بعض القانونيين إلى أن الضباط حتى الآن «ليسوا متهمين أصلاً» ليُبحث في تبرئتهم
أحمد محسن
اقترب موعد إعلان مصير الضباط الأربعة كثيراً. لا يستطيع أحد أن يجادل في ذلك بعد الآن، وكذلك يصعب الحدّ من كثرة الحديث عن هذا المصير المنتظر عصر اليوم. وليس من المستغرب أن يكون قرار إطلاق سراح هؤلاء الضباط، أو عدمه، حديث الشارع اللبناني بأكمله، بعد أن أصبح مادةً انتخابية دسمة، يعرضها جميع الأفرقاء السياسيون على السواء، مستغنين عن الغوص في الجوانب القانونية للموضوع. وفي الحديث عن الجوانب القانونية الصرفة، التي يُفترض أن لا تتشابك مع السياسة، برز أمس تصريح لافت لوزير العدل إبراهيم نجار، أكد فيه انتفاء العلاقة بين إخلاء السبيل (في حال صدور قرار كهذا عن قاضي الإجراءات التمهيدية فرانسين) و«البراءة»، من دون أن يفوت الوزير ذكر أن العكس صحيح، أي إن إبقاء الضباط محتجزين من قبل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لا يسمح بخضوعهم لأحكام مسبقة تتهمهم بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس الحريري والجرائم الأخرى المرتبطة بها. وعلى الرغم من دبلوماسية إجابة الوزير، فقد تجنّب أن يصحّح السؤال الموجّه إليه، الذي صنّف الضباط متهمين، رغم أن إجابته أعلنت أنهم ليسوا كذلك حتى الآن بوضوح تام. وانطلاقاً من هنا، يبقى الموضوع عرضةً للالتباس، وبحاجة إلى توضيحات، كي لا يصبح مطيةً لاستغلال القضية وإطلاق التصريحات التي تمزج السياسة بالمعايير الحقوقية.

جريج: «لا تستخفّوا بقرار فرانسين»

وفي الحديث عن المعايير الحقوقية، رأى النائب سمير الجسر، في اتصال مع «الأخبار»، «أن الضباط المحتجزين حتى الآن كمشتبه فيهم، حيث لا علاقة لذلك باتهامهم أو ببراءتهم النهائية»، لأن ذلك يعود إلى قرار المحكمة النهائي، والقاضي الحالي هو قاضي الإجراءات التمهيدية. وبكلمات أكثر تفصيلاً، ربط الوزير السابق للعدل بين «براءة» الضباط والقرار النهائي للمحكمة، الذي قد يتضمن في مضبطة الاتهام طلباً «بكف التعقبات عنهم» أو قراراً اتهامياً بحقهم. وأيّد نقيب محامي بيروت رمزي جريج ما جاء على لسان الجسر، موضحاً أن لحظة التوقيف لا تعني أن الموقوف صار محكوماً، أو حتى متهماً، كما يعتقد أغلب المواطنين، إذ إن التوقيف مرتبط بسير التحقيقات، والمحكمة هي الجهة الوحيدة المخوّلة باتهام شخص ما. لكنّ جريج استفاض في شرحه، فرأى أن قاضي الإجراءات التمهيدية «لا يمكن أن يتعامل بخفة مع قرارات كهذه»، حتى ولو كان قراره غير نهائي، فإن إخلاء سبيل الموقوفين يراعي ظروف التحقيقات، ويتطلب دقةً متناهية، ما بدا كأنه تلميح إلى اعتقاده بأن قرار فرانسين قد يكون شبه نهائي. أما عن القرار النهائي الذي سيصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فلم يخف جريج أن «الحكم النهائي سيستغرق وقتاً لن يكون قصيراً، بلا أدنى شك».

شكوك حول إخلاء سبيل «نهائي»

من جهته، أعرب أستاذ القانون الدولي في جامعة جورج تاون في العاصمة الأميركية واشنطن، داوود خير الله، عن شكوك لديه في استمرار توقيف الضباط الأربعة، أي تمديد فترة توقيفهم، مردفاً أن قرار إخلاء السبيل قادر على حسم الموضوع نهائياً، حيث أوضح أن التوقيف طوال الفترة السابقة كان ظالماً وجائراً، لكنّه في الوقت عينه «يمكن أن يتضمن طلباً ببقاء الموقوفين على الأراضي اللبنانية، أو طلبات أكثر تشدداً». وفي تلك الحالة، التي رجّح خير الله حدوثها، رأى أستاذ القانون الدولي «أن القرار الظني الصادر عن المحكمة هو الوحيد القادر على بتّ حاجة المحكمة إلى الضباط لاحقاً». أما عن قرار إخلاء السبيل بحدّ ذاته، فأكد خير ألله أن الأمر مرتبط بالأدلة الموجودة مع بلمار، والأدلة الأخرى التي زوّدت الدولة اللبنانية لجنة التحقيق الدولية بها، مشيراً إلى أن جميع الفرضيات متاحة، ومرهونة بما سيقدمه بلمار، من دون أن ينفي احتمال إطلاق بعض الضباط، وإبقاء احتجاز آخرين، تبعاً لمذكرة بلمار إلى قاضي الإجراءات التمهيدية.

وزارة العدل لا تتوقع أي مفاجآت

ولمزيد من الاطلاع على كيفية سير أمور التحقيقات وتعامل المحاكم مع الحالات الجنائية عادةً، اتصلت «الأخبار» بالمدير العام لوزارة العدل القاضي عمر الناطور، الذي شرح الأمر في مقاربة بسيطة. أشار القاضي إلى أن «المشتبه فيهم بارتكاب جناية ما، حتى لو كانت صغيرة، قد يعانون من طول المدة التي تستغرقها المحاكمة»، وأعطى مثالاً على المعوقات المذكورة «غياب أحد الشهود مثلاً أو هروبه»، ما يدفع المشتبه فيهم للتقدم إلى المحكمة بإخلاء سبيلهم، الأمر الذي يدفع القاضي أحياناً إلى القبول بالطلب وإنهاء المحاكمة، من دون بتّ الملف، فيصدر قراراً بإخلاء السبيل مع كفالة، استمهالاً لظهور معطيات جديدة في القضية، حيث كرر القاضي الناطور ما ذكره الباحثون القانونيون عن حصرية القرار النهائي للمحكمة، مشبّهاً العلاقة بين قاضي الإجراءات التمهيدية من جهة ورئيس المحكمة الدولية أنطونيو كاسيزي من جهة ثانية، كالعلاقة بين قاضي التحقيق والهيئة الاتهامية. ومن هذا المنطلق، لا مفرّ من تصنيف الضباط الأربعة أبرياء حتى الآن، بدون صدور قرار ظني أو اتهامي بحقهم. وحتى لو قدم القاضي دانيال بلمار أسباباً «معللة» لتمديد احتجازهم، فإن القرار النهائي سيبقى للمحكمة، ومسألة إخلاء سبيلهم هي مسألة إجرائية خاضعة لسير التحقيقات، وهو الأمر الذي لم يحصل حين كان الملف خاضعاً للقضاء اللبناني، إذ ردّ القاضي صقر صقر طلبات الإخلاء التي تقدم بها بعض الضباط أكثر من مرة. «نحن على اتصال دائم بالمحكمة الدولية، ولا نعلم شيئاً عمّا جرى بين فرنسين وبلمار»، أكد المدير العام لوزارة العدل، لكنّه تابع قائلاً، «لا تتوقعوا أي مفاجآت اليوم».