هل تتمتع نساء الجيل الشاب بمكتسبات حقّقتها النساء من قبلهن؟ النساء خرجن إلى سوق العمل وبتن يتحمّلن جزءاً كبيراً من مسؤوليات أسرهنّ، ولكن هل يتلاءم وضع المرأة القانوني والعملي مع ما باتت تقدّمه؟
بيسان طي
تعمل ندى. س. أكثر من 8 ساعات يومياً، وعندما تعود إلى المنزل تحاول جاهدة أن تتم كل الأعمال المنزلية، لا تنسى أن ثمة وقتاً يجب أن تخصّصه لتراجع الدروس لأولادها. تروي أنها تخرج من العمل أحياناً لمقابلة معلّمات الأولاد في المدرسة أو لدفع الأقساط المدرسية، أما الإجازات السنوية فهي مخصصة فقط «لأيام الطوارئ» أي حين يعاني أحد أولادها من المرض ويضطرّ إلى ملازمة المنزل.
تبدو ندى سعيدة بما تقدمه لعائلتها، تُحرج حين تسأل عن راتب زوجها أو مدى مساهمته في تحمل المسؤوليات، تقول إنه يقدم للأسرة معظم ما يقبضه، ولكنه يحتاج إلى بعض المال لمصاريفه هو، لنزهاته أو لقاءاته مع الأصدقاء، وهي إذ تعترف بحقه في الاستمتاع بجزء قليل من راتبه، تنكر على نفسها هذا الحق!
مارلين تحلم بيوم تستعيد فيه عاداتها القديمة، تعترف بأنها تقرأ صفحات من بعض الكتب وهي في السيارة تنتظر خروج ابنتها من المدرسة. تعمل مارلين مديرة في شركة كبيرة في بيروت، تميزها جعلها تفرض على أصحاب العمل بعض الشروط، فهي تخرج من المكتب عند الثانية ظهراً، لتتجه إلى المدرسة، تأخذ منها الابنة الكبيرة، ثم تذهب إلى الحضانة لتستعيد ابنها، وتذهب بهما إلى البيت، تحضر الطعام والشراب، وبعد تناول وجبة الغداء، تعود إلى الحاسوب لتتابع العمل من خلاله «أون لاين يعني»، وعند السادسة ترجع إلى أشغالها المنزلية.
تتحدث مارلين بفخر عن زوجها «فهو يتفهم وضعي ومسؤولياتي، يساعدني أحياناً في أعمال التنظيف، أحياناً قليلة طبعاً، فهو يعود متعباً إلى المنزل بعد يوم عمل شاق، وهو لا يقيم الدعوات والعزائم في المنزل إلا نادراً وذلك كي لا يزيد من أعبائي، وغالباً ما يدعو شركاءه إلى عشاء في مطعم، لكنني لا أرافقهم إلا نادراً، حين تقبل أمي برعاية الأولاد».
ندى ومارلين وآلاف النساء يعشن ظروفاً مماثلة، فهنّ شريكات في تحمّل المسؤولية المالية لأسرهنّ، ولكنهنّ يقمن وحدهنّ بـ«الأعباء المنزلية»، كما كانت تفعل أمهاتهنّ، وقد يستعنّ بخادمة إذا سمحت الظروف المالية بذلك، بعضهنّ يرحمن أنفسهنّ من متطلبات كثيرة ليدفعن راتباً شهرياً لخادمة. الغريب أنهنّ إذا سئلن عن «صاحب القرار» يقلن إنه الزوج بالطبع، لا يتحدث قليلاً عن المساواة، يبدون راضيات بالأجندة المكتنزة بالواجبات والأعمال والأعباء.
تلفت الدكتورة نهوند القادري (الأستاذة في كلية الإعلام) إلى أن الجيل الجديد، عموماً، يعاني مأزق التوفيق بين الحديث والتقليدية، إنها توليفة تقوم على الشكل الحديث والمضمون التقليدي.
وتشير الدكتورة فاديا حطيط (الأستاذة في كلية التربية) إلى أن الفتيات بتن قادرات على تحقيق الصعود الاجتماعي من خلال قدراتهنّ الخاصة، لذلك انخفضت شروطهنّ المتعلقة باختيار الزوج، ولكن بموازاة هذا الواقع لا يُعبّر عن الجيل الجديد من خلال الواقع والتشريعات القانونية. وترى حطيط أن نساء الجيل الجديد يعشن الواقع العملي دون أن يكنّ واعيات بأنه يعطيهنّ أحقية المطالبة بحقوقهن وبقوانين جديدة. سلوكيات الأم وقبولها بالسلطة الذكورية هي صورة الأمومة التي ما تزال ماثلة في أذهان الجيل الجديد، فإذا تغيّر واقع النساء (اخترقن سوق العمل وتحمّلن مسؤوليات جديدة وإلخ...) فإن تمثّلاتهنّ الذهنية ما زالت تستند إلى التجربة التقليدية لأمهاتهنّ. ترى حطيط أن المطالبة بحقوق المرأة لا تبدو، في الجانب النظري أو المعرفي، وكأنها من هموم نساء الجيل الشاب «ولكن ذلك لا يمنع أن قدرتهنّ على المطالبة، وشعورهنّ بحقّهنّ، قد يكون أقوى منه لدى نساء الجيل الأكبر اللواتي حملن قضية المرأة».
ولكن ألا تدفع المرأة الشابة ثمناً باهظاً؟ هل يمكن أن تنحاز إلى نموذج نسوي متحرر أو تختار الانصياع الأعمى لعقلية ذكورية جذورها مترسخة في أرضنا؟
القادري ترى أن الخيار صعب في هذه المرحلة، نساء الجيل الجديد غير مهيّآت لهذا الخيار، وغير مهيآت لدفع ثمن الخيار. وذكّرت القادري بأن نساء الستينيات ارتكزن في نضالهن إلى مرجعيات إيديولوجية وسياسية براقة، وهذا ما لا تجده نساء الجيل الجديد.
أما حطيط فلفتت إلى أن تصحيح بعض ما يختزنه اللاوعي الجماعي عمل لا يكمله جيل واحد، ورأت أن الإيمان بالمساواة بين الجنسين هو إيمان يجب أن يتبنّاه كل من الرجل والمرأة، وذكّرت بأنه خلال ندوة «المرأة والمال» التي نظمها أخيراً تجمع «باحثات»، تم لفت النظر إلى رجال يوظّفون تحرّر المرأة لمصالحهم، فبعضهم يأخذ راتب زوجته ويتخذ القرارات في كيفية صرفه.