يستخدم عدد كبير من سائقي السيارات الخصوصية مركباتهم لنقل المواطنين بدلاً من التاكسي. ويبدو هؤلاء غير مبالين بردات فعل المواطنين ورجال الأمن، رغم علمهم بأن ما يفعلونه مخالف للقانون، وفي بعض الأحيان تحايل عليه
أحمد محسن
يمكن أي سائق سيارة مرسيدس إقناع المواطنين بأنه سائق أجرة، على ما يبدو في شوارع ضواحي العاصمة، رغم لوحة السيارة التي تشع بياضاً. ويمكن أي مواطن أن يجرب هذه الظاهرة التي تتكاثر يوماً بعد يوم. ما عليه سوى الوقوف وانتظار سيارة أجرة، ليتسابق عدد كبير منها للاصطفاف عشوائياً أمامه. وبين السيارات المسارعة لتلبية طلبه، يوجد احتمال ضئيل جداً ألا تكون بينها سيارة خصوصية واحدة على الأقل، تشارك مثيلاتها العمومية إيصال الركاب، مقابل مردود مالي.
يتخذ عمل السيارات الخصوصية «على الخط» أشكالاً عديدة اليوم، وأول هذه الأشكال و«أوقحها»، هو العمل في العلن، ضمن مناطق محددة؛ تتهم الضاحية الجنوبية لبيروت بأنها أبرزها. وفي هذه الحالة، غالباً ما تكون السيارة من نوع مرسيدس، لوحتها عادية ومرّمزة برمز إحدى المناطق اللبنانية. علاء م. هو أحد الذين يعملون 14 ساعة يومياً مستخدماً سيارته الخصوصية. يعترف بأن عمله ليس قانونياً، ويعلن متحدياً «لا يمكنهم اكتشافي ببساطة». فهو يعتقد أنه ليس من حق الشرطة التدقيق في هويات الناس، لمجرد ارتيابهم في أن سائقها يمارس مهنة غير شرعية. يدّعي علاء «أن أولاده جائعون»، وأنه لا يملك عملاً إلا هذه السيارة. وفي تفاصيل المهنة، لا يختلف علاء عن السائقين العموميّين بشيء. يفاصل الركاب، وأحياناً يطلب منهم كلفة نقل مضاعفة (سرفيسين كما يتعارف عليها اللبنانيون)، وأحياناً يطلب منهم وضع حزام الأمان. ما يميّزه بالفعل، أنه يطلب منهم دائماً، الجلوس إلى جانبه، إذا كانت الرحلة «خارج نطاق الضاحية»، ويفشي ما يراه سراً: «لا يمكن إيقاف هذه السيارات من العمل، إلا إذا عوقب الركاب»، فالسائقون ليس لديهم خيار آخر، برأيه.
الحالة الثانية، تشبه الأولى كثيراً، لكنها تتطلب بعض الإضافات لتسهيل استبدال سيارة المرسيدس بأخرى. وفي هذا الحالة يكاد الخروج من الضواحي أن يصبح مستحيلاً، لأنه سيعرّض السائق لخطر الوقوع تحت أنظار القوى الأمنية، التي تنتشر على المفاصل الأساسية. فالسيارات «غير المرسيدس»، تضطر إلى وضع الإشارة الصفراء «Taxi»، بهدف إعلام الركاب أن السيارة تعمل «على الخط»، ويمكن الراكب العادي أن يلاحظ اللوحة البيضاء.
المفارقة، أن معظم المواطنين الذين التقتهم «الأخبار» لا يظهرون رفضاً لهذه الظاهرة، رغم أن السيارات العمومية القانونية أضمن من ناحية السلامة العامة. إذ إنها ملزمة بالتأمين الشامل، حتى على حياة ركابها. بيد أن رفض بعض المواطنين الركوب في سيارة خصوصية قد يعرّضهم للمضايقة أحياناً. تروي حنين كنعان أنها كانت تقف في تحويطة الغدير عندما اقتربت منها سيارة سوداء، تضع إشارة «Taxi» على سقفها. وعندما همت بالركوب، أشار سائق سيارة عمومية حقيقية في الخلف إلى لوحة السيارة السوداء، لتكتشف أنها بيضاء (أي إن السيارة خصوصية). اعتذرت حنين من سائقها، فأطلق شتيمة في وجهها واستدار مسرعاً ليلحق السائق العمومي.
في الحالة الثالثة، قد يبدو كل شيء مطابقاً للقانون، ابتداءً بالزمور المزعج والروتيني الذي يطلقه السائق العمومي، مروراً بالإشارة الصفراء على سقف السيارة، وانتهاءً باللوحة الحمراء. لكن اللون الأحمر لا يعني بالضرورة قانونية اللوحة. وفي هذه الحالة، تخف المسؤولية عن المواطن العادي، وترتفع نسبتها على سائق السيارة والقوى الأمنية. إذ إن السيارات العمومية يجب أن ترمّز بحرف «م»، بينما تخضع الرموز الأخرى لتسميات المناطق. ويسهل للوحات «الملوّنة» بالأحمر أن تغش الركاب، فرموزها صغيرة للناظر، وخصوصاً لمن لا يهوى التدقيق.
الأمر يتعدى ذلك، يؤكد سائق سيارة أجرة، محمد عبد الله. يقول إنه شاهد ذات مرة لوحة سيارته مع الرمز العمومي، لكن على سيارة أخرى في محلة كورنيش المزرعة. أسرع محمد على الفور لتقديم بلاغ رسمي. ففوجئ برجال الأمن في أحد المخافر يقولون له: «بتصير، عوضك على الله». ظل خائفاً من وقوع حادث ينسَب إليه، لكونه صاحب لوحة الأرقام الحقيقية، فاضطر إلى بيع لوحته سريعاً.
الطريف في الأمر، أن بعض سائقي السيارات الخصوصية يشاركون في الاعتصامات النقابية التي تطالب بخفض سعر اللوحة العمومية، وتطالب بالضمان الصحي، والأهم من هذا، بالسماح للسائقين بزيادة التعرفة، أو خفض سعر المحروقات. «هذا ليس تضامناً إنسانياً»، يقول أحدهم ساخراً، ويردف بهدوء: «أنا سائق خصوصي عمومي».


قوى الأمن تنتظر زيادة عديدها

قال مسؤول أمني إن ظاهرة السيارات الخصوصية مستشرية في الضاحية الجنوبية، حيث نفّذت قطعات الأمن الداخلي حملة خلال الأسابيع الماضية مستهدفة المشتبه فيهم بجرائم السلب والمخدرات. لكن قمع الظاهرة المذكورة بحاجة إلى زيادة عديد سرية الضاحية، وهو ما سيتم خلال الأشهر المقبلة.